للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَدْخُلُ فِي الْمُشْرِكِينَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ عَلِمَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِفَاقَهُمْ وَالَّذِينَ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ نِفَاقَهُمْ بِتَحَقُّقِ الصِّفَاتِ الَّتِي أُعْلِنَتْ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا.

وَزِيَادَةُ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى لِلْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِقْصَاءِ أَقْرَبِ الْأَحْوَالِ إِلَى الْمَعْذِرَةِ، كَمَا هُوَ مُفَادُ (لَوِ) الْوَصْلِيَّةِ، أَيْ فَأَوْلَى إِنْ لَمْ يَكُونُوا أُولِي قُرْبَى. وَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ لِقَطْعِ الْمَعْذِرَةِ عَنِ الْمُخَالِفِ، وَتَمْهِيدٍ لِتَعْلِيمِ مَنِ اغْتَرَّ بِمَا حَكَاهُ الْقُرْآنُ مِنِ اسْتِغْفَارِ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ [الشُّعَرَاء: ٨٦] . وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ:

وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ [التَّوْبَة: ١١٤] إِلَخْ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى (لَوْ) الِاتِّصَالِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوِ افْتَدى بِهِ فِي سُورَةِ آل عمرَان [٩١] .

[١١٤]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ١١٤]

وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)

مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ مَا كانَ للنبيء [التَّوْبَة: ١١٣] إِلَخْ. وَهِيَ مِنْ تَمَامِ الْآيَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى [التَّوْبَة: ١١٣] إِذْ كَانَ شَأْنُ مَا لَا يَنْبَغِي لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ لَا يَنْبَغِيَ لِغَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِهِمْ مُتَّحِدَةٌ إِلَّا مَا خُصَّ بِهِ نَبِيُّنَا مِنْ زِيَادَةِ الْفَضْلِ. وَهَذِهِ مِنْ مَسْأَلَةِ (أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا) فَلَا جرم مَا كَانَ مَا وَرَدَ مِنِ اسْتِغْفَارِ إِبْرَاهِيمَ قَدْ يُثِيرُ تَعَارُضًا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، فَلِذَلِكَ تَصَدَّى الْقُرْآنُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا مَا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ.

وَالْمَوْعِدَةُ: اسْمٌ لِلْوَعْدِ. وَالْوَعْدُ صَدَرَ مِنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ لَا مَحَالَةَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاعْتِذَارُ لِإِبْرَاهِيمَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ هُوَ الَّذِي وَعَدَ أَبَاهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَكَانَ اسْتِغْفَارُهُ لَهُ

لِلْوَفَاءِ بِوَعْدِهِ لَكَانَ يَتَّجِهُ مِنَ السُّؤَالِ عَلَى الْوَعْدِ بِذَلِكَ وَعَلَى الْوَفَاءِ بِهِ مَا اتَّجَهَ عَلَى وُقُوعِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ. فَالتَّفْسِيرُ الصَّحِيحُ أَنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ وَعَدَ إِبْرَاهِيمَ بِالْإِيمَانِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ لِأَنَّهُ ظَنَّهُ مُتَرَدِّدًا فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لَمَّا قَالَ لَهُ: وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [مَرْيَم: ٤٦] فَسَأَلَ اللَّهَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ لَعَلَّهُ يَرْفُضُ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ.