للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ، أَيْ هِيَ مِلْكُهُ لَا مِلْكُ غَيْرِهِ.

وَالْمَقَالِيدُ هُنَا اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ لِخَيْرَاتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، شُبِّهَتِ الْخَيْرَاتُ بِالْكُنُوزِ، وَأُثْبِتَ لَهَا مَا هُوَ مِنْ مُرَادِفَاتِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْمَفَاتِيحُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ وَحْدَهُ الْمُتَصَرِّفُ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ مِنَ الْخَيْرَاتِ. وَأَمَّا مَا يَتَرَاءَى مِنْ تَصَرُّفِ بَعْضِ النَّاسِ فِي الْخَيْرَاتِ الْأَرْضِيَّةِ بِالْإِعْطَاءِ وَالْحِرْمَانِ وَالتَّقْتِيرِ وَالتَّبْذِيرِ فَلَا اعْتِدَادَ بِهِ لِقِلَّةِ جَدْوَاهُ بِالنِّسْبَةِ لِتَصَرُّفِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَجُمْلَةُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ مُبَيِّنَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَبَسْطُ الرِّزْقِ: تَوْسِعَتُهُ، وَقَدْرُهُ: كِنَايَةٌ عَنْ قِلَّتِهِ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [٢٦] .

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ هُوَ كَالْعِلَّةِ لِقَوْلِهِ: لِمَنْ يَشاءُ، أَيْ أَنَّ مَشِيئَتَهُ جَارِيَةٌ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ بِمَا يُنَاسِبُ أَحْوَالَ الْمَرْزُوقِينَ مِنْ بَسْطٍ أَوْ قَدْرٍ.

وَبَيَانُ هَذَا فِي قَوْلِهِ الْآتِي: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ [الشورى:

٢٧] .

[١٣]

[سُورَة الشورى (٤٢) : آيَة ١٣]

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ.

انْتِقَالٌ مِنْ الِامْتِنَانِ بِالنِّعَمِ الْجُثْمَانِيَّةِ إِلَى الِامْتِنَانِ بِالنِّعْمَةِ الرُّوحِيَّةِ بِطَرِيقِ الْإِقْبَالِ عَلَى خطاب الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ لِلتَّنْوِيهِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَلِلتَّعْرِيضِ بِالْكُفَّارِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْهُ.

فَالْجُمْلَةُ ابْتِدَائِيَّةٌ.

وَمَعْنَى شَرَعَ أَوْضَحَ وَبَيَّنَ لَكُمْ مَسَالِكَ مَا كَلَّفَكُمْ بِهِ. وَأَصْلُ شَرَعَ جَعَلَ طَرِيقًا وَاسِعَةً، وَكَثُرَ إِطْلَاقُهُ عَلَى سَنِّ الْقَوَانِينِ وَالْأَدْيَانِ فَسُمِّيَ الدّين شَرِيعَة. فشرع هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلتَّبْيِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:

٢١] ،