للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالشَّطَطُ: الْإِفْرَاطُ فِي مُخَالَفَةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الشَّطِّ، وَهُوَ الْبُعْدُ عَنِ الْمَوْطِنِ لِمَا فِي الْبُعْدِ عَنْهُ مِنْ كَرَاهِيَةِ النُّفُوسِ، فَاسْتُعِيرَ لِلْإِفْرَاطِ فِي شَيْءٍ مَكْرُوهٍ، أَيْ لَقَدْ قُلْنَا قَوْلًا شَطَطًا، وَهُوَ نِسْبَةُ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى مَنْ دون الله.

[١٥]

[سُورَة الْكَهْف (١٨) : آيَة ١٥]

هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِمَا اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً [الْكَهْف: ١٤] إِذْ يَثُورُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ أَنْ يَتَسَاءَلَ عَمَّنْ يَقُولُ هَذَا الشَّطَطَ إِنْ كَانَ فِي السَّامِعِينَ مَنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ بِتَنْزِيلِ غَيْرِ السَّائِلِ مَنْزِلَةَ السَّائِلِ.

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْفِتْيَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ ضَمِيرُ قَوْلِهِ: دُونِهِ الْعَائِدُ إِلَى رَبُّنا [الْكَهْف: ١٤] .

وَالْإِشَارَةُ إِلَى قَوْمِهِمْ بِ هؤُلاءِ لِقَصْدِ تَمْيِيزِهِمْ بِمَا سَيُخْبِرُ بِهِ عَنْهُمْ. وَفِي هَذِهِ الْإِشَارَةِ تَعْرِيضٌ بِالتَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ وَتَفْضِيحُ صُنْعِهِمْ، وَهُوَ مِنْ لَوَازِمِ قَصْدِ التَّمْيِيزِ.

وَجُمْلَةُ اتَّخَذُوا خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ دُونَ الْإِخْبَارِ إِذِ اتِّخَاذُهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ مَعْلُومٌ بَيْنَ الْمُتَخَاطِبِينَ، فَلَيْسَ الْإِخْبَارُ بِهِ بِمُفِيدٍ فَائِدَةَ الْخَبَرِ.

وَمَعْنَى مِنْ دُونِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَ (مِنْ) ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ آلِهَةً نَاشِئَةً مِنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَكَانَ قَوْمُهُمْ يَوْمَئِذٍ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ عَلَى عَقِيدَةِ الرُّومِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.

وَجُمْلَةُ لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ مُؤَكِّدَةٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِنْكَارِ، لِأَنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يُقَوِّي الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ.