وَقَوْلُهُ: عَلى عَقِبَيْهِ مُؤَكِّدٌ لِمَعْنَى نَكَصَ إِذِ النُّكُوصُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْعَقِبَيْنِ، لِأَنَّهُ الرُّجُوعُ إِلَى الْوَرَاءِ كَقَوْلِهِمْ: رَجَعَ الْقَهْقَرَى، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَة الْمُؤمنِينَ [٦٦] :
فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ.
وعَلى مُفِيدَةٌ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ السَّيْرِ بِالْعَقِبَيْنِ. وَالْعَقِبَانِ: تَثْنِيَةُ الْعَقِبِ، وَهُوَ مُؤَخَّرُ الرِّجْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧١] .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْعَقِبَيْنِ تَفْظِيعُ التَّقَهْقُرِ لِأَنَّ عَقِبَ الرَّجُلِ أَخَسُّ الْقَوَائِمِ لِمُلَاقَاتِهِ الْغُبَار والأوساخ.
[٤٩]
[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٤٩]
إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)
يَتَعَلَّقُ إِذْ يَقُولُ بِأَقْرَبِ الْأَفْعَالِ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [الْأَنْفَال: ٤٨] مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَفْعَالِ، لِأَنَّ إِذْ لَا تَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنَ الْمُقَارَنَةِ فِي الزَّمَانِ بَيْنَ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ وَبَيْنَ مُتَعَلَّقِهَا، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ وَاقِعًا فِي وَقْتِ تَزْيِينِ
الشَّيْطَانِ أَعْمَالَ الْمُشْرِكِينَ فَيَتِمُّ تَعْلِيقُ وَقْتِ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ بِوَقْتِ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ أَعْمَالَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّمَا تُطْلَبُ الْمُنَاسَبَةُ لِذِكْرِ هَذَا الْخَبَرِ عَقِبَ الَّذِي وَلِيَهُ هُوَ، وَتِلْكَ هِيَ أَنَّ كِلَا الْخَبَرَيْنِ يَتَضَمَّنُ قُوَّةَ جَيْشِ الْمُشْرِكِينَ، وَضَعْفَ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقِينُ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ بِأَنَّ النَّصْرَ سَيَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. فَالْخَبَرُ الْأَوَّلُ عَنْ طَائِفَةٍ أَعَانَتِ الْمُشْرِكِينَ بِتَأْمِينِهِمْ مِنْ عَدُوٍّ يَخْشَوْنَهُ فَانْحَازَتْ إِلَيْهِمْ عَلَنًا، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَقْبِيحَ مَا أَقْحَمَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ أَنْفُسَهُمْ إِذْ عَمَدُوا إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ أَقْوِيَاءَ. وَالْخَبَرُ الثَّانِي: عَنْ طَائِفَتَيْنِ شَوَّهَتَا صَنِيعَ الْمُسْلِمِينَ حَمَّقَتَاهُمْ وَنَسَبَتَاهُمْ إِلَى الْغُرُورِ فَأَسَرُّوا ذَلِكَ وَلَمْ يَبُوحُوا بِهِ، وَتَحَدَّثُوا بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، أَوْ أَسَرُّوهُ فِي نُفُوسِهِمْ.
فَنَظْمُ الْكَلَامِ هَكَذَا: وَزَيَّنَ الشَّيْطَانُ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْمَالَهُمْ حِينَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يُقَبِّحُونَ أَعْمَالَ الْمُسْلِمِينَ وَيَصِفُونَهُمْ بِالْغُرُورِ وَقِلَّةِ التَّدْبِيرِ مِنِ اعْتِقَادِهِمْ فِي دِينِهِمُ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي هَذَا الْغُرُورِ وَيَجُولُ فِي نُفُوسِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مِثْلُ هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute