للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ «الْقَوْلُ» هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ: الشَّامِلُ لِحَدِيثِ النَّفْسِ، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَهُمْ طَائِفَةٌ غَيْرُ الْمُنَافِقِينَ، بَلْ هُمْ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْإِيمَانُ مِنْ قُلُوبِهِمْ. فَيَقُولُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا لَهُمْ مِنَ الشَّكِّ فِي صِدْقِ وَعْدِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُوَالِينَ لِلْمُنَافِقِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَحَدَّثُوا بِهِ بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ.

وَ «الْمَرَضُ» هُنَا مَجَازٌ فِي اخْتِلَالِ الِاعْتِقَادِ، شُبِّهَ بِالْمَرَضِ بِوَجْهِ سُوءِ عَاقِبَتِهِ عَلَيْهِمْ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ [١٠] .

وَأَشَارُوا بِ هؤُلاءِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ، وَقَدْ جَرَتِ الْإِشَارَةُ عَلَى غَيْرِ مُشَاهَدٍ، لِأَنَّهُمْ مَذْكُورُونَ فِي حَدِيثِهِمْ أَوْ مُسْتَحْضَرُونَ فِي أَذْهَانِهِمْ، فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ الْمُشَاهِدِ لَهُمْ وَهُمْ يَتَعَارَفُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ فِي حَدِيثِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ.

والغرور: الْإِيقَاعُ فِي الْمَضَرَّةِ بِإِيهَامِ الْمَنْفَعَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٦] ، وَقَوْلِهِ: زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١١٢] .

وَالدّين هُوَ الْإِسْلَامُ، وَإِسْنَادُهُمُ الْغُرُورَ إِلَى الدِّينِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ بِالنَّصْرِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الْأَنْفَال: ٦٥] الْآيَةَ، أَيْ غَرَّهُمْ ذَلِكَ فَخَرَجُوا وَهُمْ عَدَدٌ قَلِيلٌ لِلِقَاءِ جَيْشٍ كَثِيرٍ، وَالْمَعْنَى: إِذْ يَقُولُونَ ذَلِكَ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَقَبْلَ

حُصُولِ النَّصْرِ. فَإِطْلَاقُ الْغُرُورِ هُنَا مَجَازٌ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى الدِّينِ حَقِيقَةٌ عَقْلِيَّةٌ.

وَجُمْلَةُ: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [الْأَنْفَال: ٤٨] لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَخْبَارِ الْمَسُوقَةِ لِبَيَانِ عِنَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُسْلِمِينَ، وَلِلِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ، فَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: أَنَّهَا كَالْعِلَّةِ لِخَيْبَةِ ظُنُونِ الْمُشْرِكِينَ وَنُصَرَائِهِمْ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ خَيَّبَ ظُنُونَهُمْ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ عَزِيزٌ لَا يُغْلَبُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ نَصَرَهُ، وَهُوَ حَكِيمٌ يُكَوِّنُ أَسْبَابَ النَّصْرِ مِنْ حَيْثُ يَجْهَلُهَا الْبَشَرُ.

والتوكّل: الِاسْتِسْلَامُ وَالتَّفْوِيضُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ