للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ يَحْسَبُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ دِينَ الصَّابِئَةِ فَكَانُوا يَقُولُونَ لِمَنْ أَسْلَمَ: صَبَأَ، وَكَانُوا يصفونَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصابىء، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ النَّهْيُ فِي قَوْلِهِ: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ نَهْيَ إِقْلَاعٍ بِالنِّسْبَةِ لِلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَهُوَ نَهْيُ تَحْذِيرٍ لِمَنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُمَا أَنْ لَا يَتْبَعُوا مَنْ يَعْبُدُونَهُمَا.

وَوُقُوعُ قَوْلِهِ: وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ السُّجُودِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يُفِيدُ مُفَادَ الْحَصْرِ لِأَنَّ النَّهْيَ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ، وَوُقُوعُ الْإِثْبَاتِ بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ مُقَابَلَةِ النَّفْيِ بِالْإِيجَابِ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي إِفَادَةِ الْحَصْرِ كَمَا تَرَاهُ فِي قَوْلِ السَّمَوْأَلِ أَوْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَارِثِيِّ:

تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ

فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَسْجُدُوا إِلَّا لِلَّهِ، أَيْ دُونَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.

فَجُمْلَةُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ إِلَى قَوْلِهِ: تَعْبُدُونَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، وَبَيْنَ جُمْلَةِ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا [فصلت: ٣٨] . وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَوْضِعُ سُجُودٍ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَدَا ابْنَ وَهْبٍ: السُّجُودُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَابْنُ وَهْبٍ: هِيَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ [فصلت: ٣٨] ، وَهُوَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بن الْمسيب.

[٣٨]

[سُورَة فصلت (٤١) : آيَة ٣٨]

فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨)

الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَى نَهْيِهِمْ عَنِ السُّجُودِ للشمس وَالْقَمَر وَأمر هم بِالسُّجُودِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، أَيْ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا أَنْ يَتْبَعُوكَ وَصَمَّمُوا عَلَى السُّجُودِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، أَوْ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا عَنِ الِاعْتِرَافِ بِدَلَالَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ عَلَى تَفَرُّدِ اللَّهِ