للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة ق (٥٠) : آيَة ١٦]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦)

هَذَا تَفْصِيلٌ لِبَعْضِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ بِذِكْرِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ أَهَمُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنَ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ وَلِيُبْنَى عَلَيْهِ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ تَتْمِيمٌ لِإِحَاطَةِ صِفَةِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: قَدْ عَلِمْنا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ [ق: ٤] ولينتقل مِنْهُ الْإِنْذَارُ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِ النَّاسِ عَلَيْهَا وَهُوَ مَا اسْتَرْسَلَ فِي وَصْفِهِ مِنْ قَوْلِهِ: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ [ق: ١٧] إِلَخْ.

وَوَصَفَ الْبَعْثَ وَصْفَ الْجَزَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ [ق: ٢٠- ٣٥] .

وَتَأْكِيدُ هَذَا الْخَبَرِ بِاللَّامِ وَ (قَدْ) مُرَاعًى فِيهِ الْمُتَعَاطِفَاتُ وَهِيَ نَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّاسَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِأَحْوَالِهِمْ.

والْإِنْسانَ يَعُمُّ جَمِيعَ النَّاسِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمْ أَوَّلًا الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمُ الْمَسُوقُ إِلَيْهِمْ هَذَا الْخَبَرُ، وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالْإِنْذَارِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ

[ق: ١٩] وَقَوْلُهُ: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا [ق: ٢٢] وَقَوْلُهُ: ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:

٢٠] .

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِهِ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ اللُّصُوقِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدُ الصِّلَةِ كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا تَتَكَلَّمُهُ نَفْسُهُ عَلَى طَريقَة وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] .

وَفَائِدَةُ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُ كُلِّ إِنْسَانٍ التَّنْبِيهُ عَلَى سِعَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَحْوَالِهِمْ كُلِّهَا فَإِذَا كَانَ يَعْلَمُ حَدِيثَ النَّفْسِ فَلَا عَجَبَ أَنْ يَعْلَمَ مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ.

وَالْإِخْبَارُ عَنْ فِعْلِ الْخَلْقِ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْإِخْبَارُ عَنْ عِلْمِ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ النَّفْسُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فَلِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ عِلْمِهِ تَعَالَى بِالْوَسْوَسَةِ مُتَجَدِّدٌ غَيْرُ مُنْقَضٍ وَلَا مَحْدُودٍ لِإِثْبَاتِ عُمُومِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْكِنَايَةُ عَنِ التَّحْذِيرِ مِنْ إِضْمَارِ مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ.