للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَتَنَاوَلَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ بِالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ [الْبَقَرَة: ١٧٣] ، أَيْ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ عَلَى النَّاسِ وَلَا عَلَى أَحْكَامِ الدِّينِ.

وَوَقَعَ قَوْلُهُ: «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» مُغْنِيًا عَنْ جَوَابِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ كَالْعِلَّةِ لَهُ، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ بِمِثْلِهِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَفِي الْقُرْآنِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَلَهُ تَنَاوُلُ ذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ نَظِيرَتِهَا فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الْبَقَرَة: ١٧٣] .

[٤]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٤]

يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤)

يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ.

إِنْ كَانَ النَّاسُ قَدْ سَأَلُوا عَمَّا أُحِلَّ لَهُمْ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ بَعْدَ أَنْ سَمِعُوا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعُوا ذَلِكَ، وَأُرِيدَ جَوَابُهُمْ عَنْ سُؤَالِهِمُ الْآنَ، فَالْمُضَارِعُ مُسْتَعْمَلٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ السُّؤَالِ، أَيْ تَكَرُّرِهِ أَوْ تَوَقُّعِ تَكَرُّرِهِ. وَعَلَيْهِ فَوَجْهُ فصل جملَة يَسْئَلُونَكَ أَنَّهَا اسْتِئْنَاف بيانيّ ناشىء عَنْ جُمْلَةِ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [الْمَائِدَة: ٣] وَقَوْلِهِ:

فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ [الْمَائِدَة: ٣] أَوْ هِيَ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ: لِلِانْتِقَالِ مِنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَى بَيَانِ الْحَلَالِ بِالذَّاتِ، وَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ لَمْ يَقَعْ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ تَوَقُّعُ السُّؤَالِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ سَأَلُوكَ، فَالْإِتْيَانُ بِالْمُضَارِعِ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ لِتَوَقُّعِ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسُ

عَنْ ضَبْطِ الْحَلَالِ، لِأَنَّهُ مِمَّا تَتَوَجَّهُ النُّفُوسُ إِلَى الْإِحَاطَةِ بِهِ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ مَا عُدِّدَ لَهُمْ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَوَاضِعَ مِمَّا تَقَدَّمَ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٨٩] : أنّ صِيغَة يَسْئَلُونَكَ فِي الْقُرْآنِ تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ. فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْجَوَابُ قَدْ حَصَلَ بِبَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ أَوَّلًا ثُمَّ بِبَيَانِ الْحَلَالِ، أَوْ بِبَيَانِ الْحَلَالِ فَقَطْ، إِذَا كَانَ