[سُورَة آل عمرَان (٣) : الْآيَات ١٦٦ إِلَى ١٦٨]
وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨)
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ [آل عمرَان: ١٦٥] وَهُوَ كَلَامٌ وَارِدٌ عَلَى مَعْنَى التَّسْلِيمِ أَيْ: هَبُوا أَنَّ هَذِهِ مُصِيبَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ عَنْهَا عِوَضٌ، فَهِيَ بِقَدَرِ اللَّهِ، فَالْوَاجِبُ
التَّسْلِيمُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى ذِكْرِ بَعْضِ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَما أَصابَكُمْ أَرَادَ بِهِ عَيْنَ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ وَهِيَ مُصِيبَةُ الْهَزِيمَةِ. وَإِنَّمَا أُعِيدَ مَا أَصَابَكُمْ لِيُعَيِّنَ الْيَوْمَ بِأَنَّهُ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ. وَمَا مَوْصُولَةٌ مُضَمَّنَةٌ مَعْنَى الشَّرْطِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَأَمَّا مَا أَصَابَكُمْ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَما أَصابَكُمْ مَعْنَاهُ بَيَانُ سَبَبِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَلِذَلِكَ قَرَنَ الْخَبَرَ بِالْفَاءِ. ويَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ هُوَ يَوْمُ أُحُدٍ. وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَهِيَ بِإِذْنِ اللَّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِعْلَانُ ذِكْرِ الْمُصِيبَةِ وَأَنَّهَا بِإِذْنِ اللَّهِ إِذِ الْمَقَامُ مَقَامُ إِظْهَارِ الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا التَّعْبِيرُ بِلَفْظِ مَا أَصابَكُمْ دُونَ أَنْ يُعَادَ لَفْظُ الْمُصِيبَةِ فَتَفَنُّنٌ، أَوْ قَصْدُ الْإِطْنَابِ.
وَالْإِذْنُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ إِذْ لَا مَعْنَى لِتَوَجُّهِ الْإِذْنِ إِلَى الْمُصِيبَةِ فَهُوَ مَجَازٌ فِي تَخْلِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ أَسْبَابِ الْمُصِيبَةِ وَبَيْنَ الْمُصَابِينَ، وَعَدَمِ تَدَارُكِ ذَلِكَ بِاللُّطْفِ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْإِذْنَ تَخْلِيَةٌ بَيْنَ الْمَأْذُونِ وَمَطْلُوبِهِ وَمُرَادِهِ، ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ الْأَسْبَابَ وَالْمُسَبِّبَاتِ فِي هَذَا الْعَالَمِ عَلَى نِظَامٍ، فَإِذَا جَاءَتِ الْمُسَبَّبَاتُ مِنْ قِبَلِ أَسْبَابِهَا فَلَا عَجَبَ، وَالْمُسْلِمُونَ أَقَلُّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَدَدًا وَعُدَدًا فَانْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ كَرَامَةٌ لَهُمْ، وَانْهِزَامُهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ عَادَةٌ وَلَيْسَ بِإِهَانَةٍ. فَهَذَا الْمُرَادُ بِالْإِذْنِ.
وَقَوْلُهُ: وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ عَطْفٌ عَلَى فَبِإِذْنِ اللَّهِ عذف الْعِلَّةَ عَلَى السَّبَبِ. وَالْعِلْمُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الظُّهُورِ وَالتَّقَرُّرِ فِي الْخَارِجِ كَقَوْلِ إِيَاسِ بْنِ قَبِيصَةَ الطَّائِيِّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute