(وَلَمَّا) اسْمُ زَمَانٍ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَدُلُّ عَلَى وُجُودِ جَوَابِهِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَهُوَ مُلَازِمُ الْإِضَافَةِ إِلَى جُمْلَةِ شَرْطِهِ، فَالْمَعْنَى: قُلْتُمْ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ: أَنَّى هَذَا،.
وَجُمْلَةُ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها صفة «لمصيبة» ، وَمَعْنَى أَصَبْتُمْ غَلَبْتُمُ الْعَدُوَّ وَنِلْتُمْ مِنْهُ مِثْلَيْ مَا أَصَابَكُمْ بِهِ، يُقَالُ: أَصَابَ إِذا غلب، وَأُصِيب إِذَا غَلَبَ، قَالَ قَطَرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ:
ثُمَّ انْصَرَفْتُ وَقَدْ أَصَبْتُ وَلَمْ أُصَبْ ... جَذَعَ الْبَصِيرَةِ قَارِحَ الْإِقْدَامِ
وَالْمُرَادُ بِمِثْلَيْهَا الْمُسَاوِيَانِ فِي الْجِنْسِ أَوِ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ جِهَةِ الْمُمَاثَلَةِ أَيْ: إِنَّكُمْ قَدْ نِلْتُمْ مِثْلَيْ مَا أَصَابَكُمْ، وَالْمُمَاثَلَةُ هُنَا مُمَاثَلَةٌ فِي الْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ، لَا فِي الْجِنْسِ، فَإِنَّ رَزَايَا الْحَرْبِ أَجْنَاسٌ: قَتْلٌ، وَأَسْرٌ، وَغَنِيمَةٌ، وَأَسْلَابٌ، فَالْمُسْلِمُونَ أَصَابَهُمْ يَوْمَ أحد الْقَتْل: إِذا قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وَكَانُوا قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ، فَهَذَا أَحَدُ الْمِثْلَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ فَذَلِكَ مِثْلٌ آخَرُ فِي الْمِقْدَارِ إِذِ الْأَسِيرُ كَالْقَتِيلِ، أَوْ أُرِيدَ أَنَّهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ أَصَابُوا قَتْلَى إِلَّا أَنَّ عَدَدَهُمْ أَقَلُّ فَهُوَ مِثْلٌ فِي الْجِنْسِ لَا فِي الْمِقْدَارِ وَالْقِيمَةِ.
وَ (أَنَّى) اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ قَصَدُوا بِهِ التَّعَجُّبَ وَالْإِنْكَارَ، وَجُمْلَةُ قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا جَوَابُ (لمّا) ، والاستفهام بأنّى هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعَجُّبِ.
ثُمَّ ذُيِّلَ الْإِنْكَارُ وَالتَّعَجُّبُ بِقَوْلِهِ: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ إِنَّ اللَّهَ قَدِيرٌ عَلَى نَصْرِكُمْ وَعَلَى خِذْلَانِكُمْ، فَلَمَّا عَصَيْتُمْ وَجَرَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمُ الْغَضَبَ قَدَّرَ اللَّهُ لكم الخذلان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute