كَمَا تُحْذَفُ الْأَلِفُ اخْتِصَارًا بِكَثْرَةٍ فِي الْمَصَاحِفِ. وَقَالَ الْقُرَّاءُ الْعَرَبُ: قَدْ تَسْقُطُ الْوَاوُ فِي بَعْضِ الْهِجَاءِ كَمَا أَسْقَطُوا الْأَلِفَ مِنْ سُلَيْمَانَ وَأَشْبَاهِهِ، أَيْ كَمَا أَسْقَطُوا الْوَاوَ الثَّانِيَةَ مِنْ دَاوُودَ وَبِكَثْرَةٍ يَكْتُبُونَهُ دَاوُدَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَرَأَيْتُ فِي مَصَاحِفِ عَبْدِ الله «فقولا» نقلا بِغَيْرِ وَاوٍ، وَكُلُّ هَذَا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ لِأَن الْقُرْآن ملتقىّ بِالتَّوَاتُرِ لَا بِهِجَاءِ الْمَصَاحِفِ وَإِنَّمَا الْمَصَاحِفُ مُعِينَةٌ على حفظه.
[١١]
[سُورَة المُنَافِقُونَ (٦٣) : آيَة ١١]
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها.
اعْتِرَاضٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ تَذْكِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْأَجَلِ لِكُلِّ رُوحٍ عِنْدَ حُلُولِهَا فِي جَسَدِهَا حِينَ يُؤْمَرُ الْمَلِكُ الَّذِي يَنْفُخُ الرُّوحَ يُكْتَبُ أَجَلُهُ وَعَمَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. فَالْأَجَلُ هُوَ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ لِحَيَاتِهِ لَا يُؤَخَّرُ عَنْ أَمَدِهِ فَإِذَا حَضَرَ الْمَوْتُ كَانَ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِ اللَّهَ بِتَأْخِيرِ أَجَلِهِ مِنَ الدُّعَاءِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ الْآجَالَ.
وَهَذَا سِرٌّ عَظِيمٌ لَا يَعْلَمُ حِكْمَةَ تَحْدِيدِهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَالنَّفْسُ: الرُّوحُ، سُمِّيَتْ نَفْسًا أَخْذًا مِنَ النَّفَسِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَهُوَ الْهَوَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْفِ وَالْفَمِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ ذِي رِئَةٍ، فَسُمِّيَتِ النَّفْسُ نَفْسًا لِأَنَّ النَّفَسَ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا، كَمَا سُمِّيَ مُرَادِفُ النَّفْسِ رُوحًا لِأَنَّهُ مَأْخُوذُ الرَّوْحِ بِفَتْحِ الرَّاءِ لِأَنَّ الرّوح بِهِ. قَالَه أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ.
وأَجَلُها الْوَقْتُ الْمُحَدَّدُ لِبَقَائِهَا فِي الْهَيْكَلِ الْإِنْسَانِيِّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّفْسِ الذَّاتُ، أَيْ شَخْصُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مِنْ مَعَانِي النَّفْسِ. كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [الْمَائِدَة: ٤٥] وَأَجَلُهَا الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ مِقْدَارُهُ لِبَقَاءِ الْحَيَاةِ.
ولَنْ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ التَّأْخِيرِ، وَعُمُومُ نَفْساً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يَعُمُّ نُفُوسَ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute