للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَجِيءُ الْأَجَلِ حُلُولُ الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لِلِاتِّصَالِ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ وَهُوَ مَا عَلِمَهُ اللَّهُ مِنْ طَاقَةِ الْبَدَنِ لِلْبَقَاءِ حَيًّا بِحَسَبِ قُوَاهُ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْعَوَارِضِ الْمُهْلِكَةِ.

وَهَذَا إِرْشَادٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ لِيَكُونُوا عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلْمَوْتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَلَا يُؤَخِّرُوا مَا يُهِمُّهُمْ عَمَلُهُ سُؤَالَ ثَوَابِهِ فَمَا مِنْ أَحَدٍ يُؤَخِّرُ الْعَمَلَ الَّذِي يَسُرُّهُ أَنْ يَعْمَلَهُ وَيَنَالَ ثَوَابَهُ إِلَّا وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِأَنْ يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ عَنْ قَرِيبٍ أَوْ يُفَاجِئَهُ، فَعَلَيْهِ بِالتَّحَرُّزِ الشَّدِيدِ مِنْ هَذَا التَّفْرِيطِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ، فَرُبَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّدَارُكُ بِفَجْأَةِ الْفَوَاتِ، أَوْ وَهَنِ الْمَقْدِرَةِ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ لَمْ تُطَاوِعْهُ نَفْسُهُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ الْفَوَاتِ فَكَيْفَ يَتَمَنَّى تَأْخِيرَ الْأَجَلِ الْمَحْتُومِ.

وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ [المُنَافِقُونَ: ٩] . أَوْ تَذْيِيلٌ وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.

وَيُفِيدُ بِنَاءُ الْخَبَرِ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ تَحْقِيقَ عِلْمِ اللَّهِ بِمَا يَعْمَلُهُ الْمُؤْمِنُونَ. وَلَمَّا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لَا يُخَامِرُهُمْ شَكٌّ فِي ذَلِكَ كَانَ التَّحْقِيقُ وَالتَّقَوِّي رَاجِعًا إِلَى لَازِمِ الْخَبَرِ وَهُوَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْمَقَامُ هُنَا مَقَامُهُمَا لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْهُ الْوَاجِبُ الْمَنْدُوبُ. وَفِعْلُهُمَا يَسْتَحِقُّ الْوَعْدَ. وَتَرْكُ أَوَّلِهِمَا يَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ.

وَإِيثَارُ وُصْفِ خَبِيرٌ دُونَ: عَلِيمٍ، لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ مَادَّةُ خَبِيرٌ مِنَ الْعِلْمِ بِالْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ تَعَالَى عَلِيمٌ بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَمَا بَطَنَ مِثْلَ أَعْمَالِ الْقَلْبِ الَّتِي هِيَ الْعَزَائِمُ وَالنِّيَّاتُ، وَإِيقَاعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا يَقْطَعُهُ الْمَوْتُ مِنِ ازْدِيَادِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ مَا عَسَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْمَوْتُ مِنَ الْعَزْمِ عَلَى الْعَمَلِ إِذَا كَانَ وَقْتُهُ الْمُعِيَّنُ لَهُ شَرْعًا مُمْتَدًّا كَالْعُمْرِ لِلْحَجِّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ لِمَنْ لَمْ يَتَوَقَّعُ طُرُوَّ مَانِعٍ. وَكَالْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلصَّلَوَاتِ، أَنَّ حَيْلُولَةَ الْمَوْتِ دُونَ إِتْمَامه لَا يرزيء الْمُؤْمِنُ ثَوَابَهُ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا اعْتَادَ حِزْبًا أَوْ عَزَمَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَا مَنَعَهُ مِنْهُ أَنَّ اللَّهَ يُعْطِيهِ أَجْرَهُ.

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ: أَنَّ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.