وَ (كَانَ) تَامَّةٌ أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ تُوجَدُونَ مِنْ مَوَاقِعِ الْخَيْرِ وَمَوَاقِعِ السُّوءِ.
وَالْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ جَلْبُهُ وَهُوَ مَجَازٌ فِي لَازِمِ حَقِيقَتِهِ فَمِنْ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْقُرْبِ وَالطَّاعَةِ. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ يَمْدَحُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ:
أَتَاكَ بِيَ اللَّهُ الَّذِي نَوَّرَ الْهُدَى ... وَنُورٌ وَإِسْلَامٌ عَلَيْكَ دَلِيلُ
أَرَادَ سَخَّرَنِي إِلَيْكَ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهَا»
أَيِ اهْدِهَا وَقَرِّبْهَا لِلْإِسْلَامِ وَيسْتَعْمل فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الشَّيْءِ وَفِي الْعِلْمِ بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [لُقْمَان:
١٦] .
وَتَجِيءُ أَقْوَال فِي تفطسير أَيْنَما تَكُونُوا عَلَى حَسَبِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى تَقَبَّلَ اللَّهُ أَعْمَالَكُمْ فِي اسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ فَإِنَّهُ الْمُهِمُّ، لَا اسْتِقْبَال الْجِهَات أَو الْمَعْنى إِنَّكُمْ إِنَّمَا تَسْتَقْبِلُونَ مَا يُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ فَاسْعَوْا فِي مَرْضَاتِهِ بِالْخَيْرَاتِ يَعْلَمُ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، أَوْ هُوَ تَرْهِيبٌ أَيْ فِي أَيَّةِ جِهَةٍ يَأْتِ الله بكم فيثيت وَيُعَاقِبُ، أَوْ هُوَ تَحْرِيضٌ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَيْ فَأَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَبَادِرُوا بِالطَّاعَةِ قَبْلَ الْفَوْتِ بِالْمَوْتِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوه.
وَقَوله: نَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
تَذْيِيلٌ يُنَاسِبُ جَمِيعَ الْمعَانِي الْمَذْكُورَة.
[١٤٩، ١٥٠]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ١٤٩ إِلَى ١٥٠]
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)
عُطِفَ قَوْلُهُ: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ عَلَى قَوْلِهِ: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الْبَقَرَة: ١٤٤] عَطْفَ حُكْمٍ عَلَى حُكْمٍ مِنْ جِنْسِهِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ لَا تَهَاوُنَ فِي الْقِيَامِ بِهِ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ كَالسَّفَرِ، فَالْمُرَادُ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ خَرَجْتَ