بِالْإِيمَانِ، كَمَا فَسَّرَ بِهِ الْمُفَسِّرُونَ، يَعْنُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ الْمُتَظَاهِرِينَ بِالْإِيمَانِ الْمُبْطِنِينَ لِلْكُفْرِ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ- بِجَرِّ- وَرَحْمَةٌ عَطْفًا عَلَى خَيْرٍ، أَيْ أُذُنُ رَحْمَةٍ، وَالْمَآلُ وَاحِدٌ.
وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ هَذِهِ الْخَصْلَةِ مَعَ الْخَصْلَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي انْتِهَازِ فُرْصَةِ الْإِرْشَادِ إِلَى الْخَيْرِ، بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَرَغَّبَهُمْ فِي الْإِيمَانِ لِيُكَفِّرُوا عَنْ سَيِّئَاتِهِمُ الْفَارِطَةِ،
ثُمَّ أَعْقَبَ التَّرْغِيبَ بِالتَّرْهِيبِ مِنْ عَوَاقِبِ إِيذَاءِ الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَهُوَ إِنْذَارٌ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ وَعَذَابِ الدُّنْيَا. وَفِي ذِكْرِ النَّبِيءِ بِوَصْفِ رَسُولَ اللَّهِ إِيمَاءٌ إِلَى اسْتِحْقَاقِ مُؤْذِيهِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، فَهُوَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ الْمُؤْذِنِ بِالْعَلِيَّةِ.
وَفِي الْمَوْصُولِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ عِلَّةَ الْعَذَابِ هِيَ الْإِيذَاءُ، فالعلة مركبة.
[٦٢]
[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٦٢]
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢)
عَدَلَ عَنْ أُسْلُوبِ الْحِكَايَةِ عَنْهُمْ بِكَلِمَةِ وَمِنْهُمْ، لِأَنَّ مَا حُكِيَ هُنَا حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ جَمِيعِهِمْ.
فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا، لِإِعْلَامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَحْلِفُونَ الْأَيْمَانَ الْكَاذِبَةَ، فَلَا تَغُرُّهُمْ أَيْمَانُهُمْ، فَضَمِيرُ يَحْلِفُونَ عَائِدٌ إِلَى الَّذين يُؤْذونَ النبيء.
وَالْمُرَادُ: الْحَلِفُ الْكَاذِبُ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ، أَيْ بِتَرْكِهِمُ الْأُمُورَ الَّتِي حَلَفُوا لِأَجْلِهَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَيْمَانَهُمْ كَاذِبَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [التَّوْبَة: ٤٢] .