للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا رَدُّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا فَهُوَ يُؤْذِنُ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ عَلَى طَرِيقَةِ

دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ لَبِثُوا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ بِكَثِيرٍ فَكَيْفَ يُجْعَلُ قَلِيلًا، فَتعين أَن قَوْله: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِكَلَامِهِمْ إِلَّا بِتَقْدِيرِ: قَالَ بَلْ لَبِثْتُمْ قُرُونًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ [الْبَقَرَة: ٢٥٩] . وَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: قَالَ بَلْ لَبِثْتُمْ قُرُونًا، وَإِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الْحَج: ٤٧] .

وَقَرِينَةُ ذَلِكَ مَا تُفِيدُهُ (لَوْ) مِنَ الِامْتِنَاعِ فِي قَوْلِهِ: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَعَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ مَا لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا، فَيَقْتَضِي الِامْتِنَاعُ أَنَّهُمْ مَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَبِثُوا قَلِيلًا مَعَ أَنَّ صَرِيحَ جَوَابِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ عَلِمُوا لَبْثًا قَلِيلًا، فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَعَارُضِ مُقْتَضَى جَوَابِهِمْ وَمُقْتَضَى الرَّدِّ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا يَكُونُ بِاخْتِلَافِ النِّسْبَةِ فِي قِلَّةِ مُدَّةِ الْمُكْثِ إِذَا نُسِبَتْ إِلَى مَا يُرَاعَى فِيهَا، فَهِيَ إِذَا نُسِبَتْ إِلَى شُبْهَتِهِمْ فِي إِحَالَةِ الْبَعْثِ كَانَتْ طَوِيلَةً وَقَدْ وَقَعَ الْبَعْثُ بَعْدَهَا فَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُمْ، وَهِيَ إِذَا نُسِبَتْ إِلَى مَا يَتَرَقَّبُهُمْ مِنْ مُدَّةِ الْعَذَابِ كَانَتْ مُدَّةً قَلِيلَةً وَهَذَا إرهاب لَهُم.

[١١٥]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (٢٣) : آيَة ١١٥]

أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥)

هَذَا مِنْ تَمَامِ الْقَوْلِ المحكي فِي قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ [الْمُؤْمِنُونَ: ١١٢] مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ. فُرِّعَ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ حُسْبَانِهِمْ أَنَّ الْخَلْقَ لِأَجْلِ الْعَبَثِ عَلَى إِظْهَارِ بُطْلَانِ مَا زَعَمُوهُ مِنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ. وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٌ وَتَوْبِيخٌ لِأَنَّ لَازِمَ إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ أَنْ يَكُونَ خَلْقُ النَّاسِ مُشْتَمِلًا عَلَى عَبَثٍ فَنُزِّلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ حَسِبَ ذَلِكَ فَقَرَّرُوا وَوَبَّخُوا أَخْذًا لَهُمْ بِلَازِمِ اعْتِقَادِهِمْ.

وَأُدْخِلَتْ أَدَاةُ الْحَصْرِ بَعْدَ (حَسِبَ) فَجَعَلَتِ الْفِعْلَ غَيْرَ نَاصِبٍ إِلَّا مَفْعُولًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمَصْدَرُ الْمُسْتَخْلَصُ مِنْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ