للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَارِجُونَ عَنِ الْإِيمَانِ، فَالْمُرَادُ بِالْفِسْقِ مَا يَشْمَلُ الْكُفْرَ وَمَا دُونَهُ مِثْلُ الَّذِينَ بَدَّلُوا الْكِتَابَ وَاسْتَخَفُّوا بِشَرَائِعِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التَّوْبَة: ٣٤] .

[٢٨]

[سُورَة الْحَدِيد (٥٧) : آيَة ٢٨]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨)

الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا لَقَبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هُنَا عَقِبَ قَوْلِهِ: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ [الْحَدِيد: ٢٧] ، أَيْ مِنَ الَّذِينَ

اتَّبَعُوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، احْتَمَلَ قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا اسْتِعْمَالَهُ اللَّقَبِيَّ أَعْنِي: كَوْنَهُ كَالْعِلْمِ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مُؤْمِنِي مِلَّةِ الْإِسْلَامِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَهُ اللُّغَوِيَّ الْأَعَمَّ، أَعْنِي: مَنْ حَصَلَ مِنْهُ إِيمَانٌ، وَهُوَ هُنَا مَنْ آمَنَ بِعِيسَى. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ مَقْصُودَانِ لِيَأْخُذَ خُلَّصُ النَّصَارَى مِنْ هَذَا الْكَلَامِ حَظَّهُمْ وَهُوَ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَكْمِلُوا مَا سَبَقَ مِنِ اتِّبَاعِهِمْ عِيسَى فَيَكُونُ الْخُطَّابُ مُوَجَّهًا إِلَى الْمَوْجُودِينَ مِمَّنْ آمَنُوا بِعِيسَى، أَيْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا خَالِصًا بِشَرِيعَةِ عِيسَى اتَّقُوا اللَّهَ وَاخْشَوْا عِقَابَهُ وَاتْرُكُوا الْعَصَبِيَّةَ وَالْحَسَدَ وَسُوءَ النَّظَرِ وَآمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يُرَادَ بِالَّذِينَ آمَنُوا الْإِطْلَاقُ اللَّقَبِيُّ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ من أَهْلُ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِشَارَةً بِأَنَّهُمْ لَا يَقِلُّ أَجْرُهُمْ عَنْ أَجْرِ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا آمَنُوا بِالرُّسُلِ السَّابِقِينَ أَعْطَاهُمُ اللَّهُ أَجْرَ مُؤْمِنِي أَهْلِ مِلَلِهِمْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَآمِنُوا مُسْتَعْمَلًا فِي الدَّوَامِ عَلَى الْإِيمَانِ كَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٣٦] ، وَيَكُونُ إِقْحَامُ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى فِي هَذَا الِاحْتِمَالِ قَصْدًا لِأَنْ يَحْصُلَ فِي الْكَلَامِ أَمْرٌ بِشَيْءٍ يَتَجَدَّدُ ثُمَّ يُرْدِفَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ طَلَبُ الدَّوَامِ وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ نَظْمِ الْقُرْآنِ.

وَمَعْنَى إِيتَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ كِفْلَيْنِ مِنَ الْأَجْرِ: أَنَّ لَهُمْ مِثْلَ