للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهِ، فَإِذَا وَقَعَ التَّقْصِيرُ فِي الْتِزَامِهَا فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ أَوِ التَّفْرِيطُ فِي بَعْضِ الْأَنْوَاعِ فَقَدِ انْتَفَى حَقُّ حِفْظِهَا.

وحَقَّ رِعايَتِها مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ رِعَايَتَهَا الْحَقَّ.

وَحَقُّ الشَّيْءِ: هُوَ وُقُوعُهُ عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِ نَوْعِهِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ

الْمُطْلَقِ الْمُبَيِّنِ لِلنَّوْعِ.

وَالْمَعْنَى: مَا حفظوا شؤون الرَّهْبَانِيَّةِ حِفْظًا كَامِلًا فَمَصَبُّ النَّفْيِ هُوَ الْقَيْدُ بِوَصْفِ حَقَّ رِعايَتِها.

وَهَذَا الِانْتِفَاءُ لَهُ مَرَاتِبُ كَثِيرَةٌ، وَالْكَلَامُ مَسُوقٌ مَسَاقَ اللَّوْمِ عَلَى تَقْصِيرِهِمْ فِيمَا الْتَزَمُوهُ أَوْ نَذَرُوهُ، وَذَلِكَ تَقَهْقُرٌ عَنْ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْمُتَّقِي أَنْ يَكُونَ مُزْدَادًا مِنَ الْكَمَالِ.

وَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ»

. وَقَوْلُهُ: فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ إِلَى آخِرِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا اسْتِطْرَادٌ.

وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ آمَنُوا الْمُتَّصِفُونَ بِالْإِيمَانِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآن، وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِيمَانُ بِرُسُلِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، أَيْ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ أَجْرَهُمْ، أَيِ الَّذِينَ لَمْ يَخْلِطُوا مُتَابَعَتَهُمْ إِيَّاهُ بِمَا يُفْسِدُهَا مِثْلُ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا إِلَهِيَّةَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ بُنُوَّتَهُ لِلَّهِ، وَنَحْوُهُمْ مِنَ النَّصَارَى الَّذِينَ أَدْخَلُوا فِي الدِّينِ مَا هُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوَاعِدِهِ وَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ النَّصَارَى كَمَا قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ.

وَالْمُرَادُ بِالْفِسْقِ: الْكُفْرُ وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ مِمَّنْ مَضَوْا مِنَ النَّصَارَى قَبْلَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَبُلُوغِ دَعْوَتِهَا إِلَى النَّصَارَى، وَادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ أَتْبَاعُ الْمَسِيحِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُمْ مَا اتَّبَعُوهُ إِلَّا فِي الصُّورَةِ وَالَّذِينَ أَفْسَدُوا إِيمَانهم بِنَقْض حُصُوله هُمُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ، أَيْ وَكَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ الْتَزَمُوا دِينَهُ