للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَبَبٌ لِتَلَبُّسِ النَّاسِ بِحِسَابِهِمَا كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ بِعِنَايَةٍ مِنِّي، جَعَلْتَ عِنَايَتَكَ مُلَابِسَةً لِلْمُخَاطَبِ مُلَابَسَةً اعْتِبَارِيَّةً، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطّور: ٤٨] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٩٦] . وَالْحُسْبَانُ كِنَايَةٌ عَنِ انْتِظَامِ سَيْرِهِمَا انْتِظَامًا مُطَّرِدًا لَا يَخْتَلُّ حِسَابُ النَّاسِ لَهُ وَالتَّوْقِيتُ بِهِ.

وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ دُونَ بَقِيَّةِ الْكَوَاكِبِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا حُسْبَانُ الْأَنْوَاءِ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، مِثْلِ الْجَوْزَاءِ، وَالشِّعْرَى، وَمَنْزَلَةِ الْأَسَدِ، وَالثُّرَيَّا، لِأَنَّ هَذَيْنِ الْكَوْكَبَيْنِ هُمَا الْبَادِيَانِ لِجَمِيعِ النَّاسِ لَا يَحْتَاجُ تَعَقُّلُ أَحْوَالِهِمَا إِلَى تَعْلِيمِ تَوْقِيتٍ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ الْأُخْرَى.

وَلِأَنَّ السُّورَةَ هَذِهِ بُنِيَتْ عَلَى ذِكْرِ الْأُمُورِ الْمُزْدَوِجَةِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُزْدَوِجَانِ فِي مَعَارِفِ عُمُومِ النَّاسِ فَالشَّمْسُ: كَوْكَبٌ سَمَاوِيٌّ لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنَ الْأَرْضِ وَالْأَرْضُ تَدُورُ حَوْلَهُ

وَدَاخِلَهُ فِي النِّظَامِ الشَّمْسِيِّ. وَالْقَمَرُ: كَوْكَبٌ أَرْضِيٌّ لِأَنَّهُ دُونَ الْأَرْضِ وَتَابِعٌ لَهَا كَبَقِيَّةِ أَقْمَارِ الْكَوَاكِبِ فَذِكْرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَذِكْرِ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ، وَالْمَشْرِقِ، وَالْمغْرب، والبحرين.

[٦]

[سُورَة الرَّحْمَن (٥٥) : آيَة ٦]

وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ [الرَّحْمَن: ٥] عَطَفَ الْخَبَرَ عَلَى الْخَبَرِ لِلْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ لِأَنَّ سُجُودَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنَ الْاِمْتِنَانِ بِمَا فِي السَّمَاءِ مِنَ الْمَنَافِعِ إِلَى الْاِمْتِنَانِ بِمَا فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَ لَفْظَ النَّجْمُ وَاسِطَةَ الْاِنْتِقَالِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ مِنْهُ نُجُومُ السَّمَاءِ وَمَا يُسَمَّى نَجْمًا مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ كَمَا يَأْتِي.

وَعُطِفَتْ جُمْلَةُ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ وَلَمْ تُفْصَلْ فَخَرَجَتْ مِنْ أُسْلُوبِ تَعْدَادِ الْأَخْبَارِ إِلَى أُسْلُوبِ عَطْفِ بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ بَعْدَ حُرُوفِ الْعَطْفِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا التَّعْدَادُ إِذْ لَيْسَ فِيهَا تَعْرِيضٌ بِتَوْبِيخِ الْمُشْرِكِينَ، فَالْإِخْبَارُ بِسُجُودِ النَّجْمِ وَالشَّجَرِ أُرِيدَ بِهِ الْإِيقَاظُ إِلَى مَا فِي هَذَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ دَلَالَةٍ رَمْزِيَّةٍ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اقْتَضَى الْمَقَامُ جَمْعَ النَّظَائِرِ مِنَ الْمُزَاوَجَاتِ بَعْدَ