للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْزَلْتَ إِلَيَّ) بِمَنْزِلَةِ الْمُعَرَّفِ بِلَامِ الْجِنْسِ لِتُلَائِمَ قَوْلَهُ فَقِيرٌ أَيْ فَقِيرٌ لِذَلِكَ النَّوْعِ مِنَ الْخَيْرِ، أَيْ لِأَمْثَالِهِ.

وَأَحْسَنُ خَيْرٍ لِلْغَرِيبِ وُجُودُ مَأْوًى لَهُ يَطْعَمُ فِيهِ وَيَبِيتُ وَزَوْجَةٌ يَأْنَسُ إِلَيْهَا وَيَسْكُنُ.

فَكَانَ اسْتِجَابَةُ اللَّهِ لَهُ بِأَنْ أَلْهَمَ شُعَيْبًا أَنْ يُرْسِلَ وَرَاءَهُ لِيُنْزِلَهُ عِنْدَهُ وَيُزَوِّجَهُ بِنْتَهُ، كَمَا أَشْعَرَتْ بِذَلِكَ فَاءُ التَّعْقِيبِ فِي قَوْلِهِ فَجاءَتْهُ إِحْداهُما [الْقَصَص: ٢٥] .

[٢٥]

[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٢٥]

فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥)

عَرَفْتَ أَنَّ الْفَاءَ تُؤْذِنُ بِأَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ لَهُ فَقَيَّضَ شُعَيْبًا أَنْ يُرْسِلَ وَرَاءَ مُوسَى لِيُضَيِّفَهُ وَيُزَوِّجَهُ بِنْتَهُ، فَذَلِكَ يَضْمَنُ لَهُ أُنْسًا فِي دَارِ غُرْبَةٍ وَمَأْوًى وَعَشِيرًا صَالِحًا. وَتُؤْذِنُ الْفَاءُ أَيْضًا بِأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يَتَرَيَّثْ فِي الْإِرْسَالِ وَرَاءَهُ فَأَرْسَلَ إِحْدَى الْبِنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَقَى لَهُمَا وَهِيَ

(صَفُّورَةُ) فَجَاءَتْهُ وَهُوَ لَمْ يَزَلْ عَنْ مَكَانِهِ فِي الظِّلِّ.

وَذَكَرَ تَمْشِي لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ عَلَى اسْتِحْياءٍ وَإِلَّا فَإِنَّ فِعْلَ (جَاءَتْهُ) مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ تَمْشِي.

وعَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ مُسْتَعَارَةٌ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الْوَصْفِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا مُسْتَحْيِيَةٌ فِي مَشْيِهَا، أَيْ تَمْشِي غَيْرَ مُتَبَخْتِرَةٍ وَلَا مُتَثَنِّيَةٍ وَلَا مُظْهِرَةٍ زِينَةً. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهَا كَانَتْ سَاتِرَةً وَجْهَهَا بِثَوْبِهَا، أَيْ لِأَنَّ سَتْرَ الْوَجْهِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي الْحَيَاءِ.

وَالِاسْتِحْيَاءُ مُبَالَغَةٌ فِي الْحَيَاءِ مِثْلُ الِاسْتِجَابَةِ قَالَ تَعَالَى وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النُّور: ٣١] .

وَجُمْلَةُ قالَتْ بَدَلٌ مِنْ (جَاءَتْهُ) . وَإِنَّمَا بَيَّنَتْ لَهُ الْغَرَضَ مِنْ دَعْوَتِهِ مُبَادَرَةً بِالْإِكْرَامِ.

وَالْجَزَاءُ: الْمُكَافَأَةُ عَلَى عَمَلٍ حسن أَو سيّىء بِشَيْءٍ مِثْلِهِ فِي الْحُسْنِ أَوِ الْإِسَاءَةِ،