للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زِيَادَةَ الْمَعْنَى فَيَكُونُ تَوَلَّى أَشَدَّ مِنْ (وَلَّى) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَّى مُدْبِراً فِي سُورَةِ النَّمْلِ [١٠] .

وَقَدْ أَعْقَبَ إِيوَاءَهُ إِلَى الظِّلِّ بِمُنَاجَاتِهِ رَبَّهُ إِذْ قَالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ. لَمَّا اسْتَرَاحَ مِنْ مَشَقَّةِ الْمَتْحِ وَالسَّقْيِ لِمَاشِيَةِ الْمَرْأَتَيْنِ وَالِاقْتِحَامِ بِهَا فِي عَدَدِ الرِّعَاءِ الْعَدِيدِ، وَوَجَدَ بَرْدَ الظِّلِّ تَذَكَّرَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ نِعَمًا سَابِقَةً أَسْدَاهَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ نَجَاتِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَإِيتَائِهِ الْحِكْمَةَ وَالْعِلْمَ، وَتَخْلِيصِهِ مِنْ تَبِعَةِ قَتْلِ الْقِبْطِيِّ، وَإِيصَالِهِ إِلَى أَرْضٍ مَعْمُورَةٍ بِأُمَّةٍ عَظِيمَةٍ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ فَيَافِيَ وَمُفَازَاتٍ، تَذَكَّرَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي نِعْمَةِ بَرْدِ الظِّلِّ وَالرَّاحَةِ مِنَ التَّعَبِ فَجَاءَ بِجُمْلَةٍ جَامِعَةٍ لِلشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ وَهِيَ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ

فَقِيرٌ

. وَالْفَقِيرُ: الْمُحْتَاجُ فَقَوْلُهُ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ شُكْرٌ عَلَى نِعَمٍ سَلَفَتْ.

وَقَوْلُهُ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ مُعْطِي الْخَيْرِ.

وَالْخَيْرُ: مَا فِيهِ نَفْعٌ وَمُلَاءَمَةٌ لِمَنْ يَتَعَلَّقُ هُوَ بِهِ فَمِنْهُ خَيْرُ الدُّنْيَا وَمِنْهُ خَيْرُ الْآخِرَةِ الَّذِي قَدْ يُرَى فِي صُورَةِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالْعَوَاقِبِ، قَالَ تَعَالَى وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ [التَّوْبَة: ٨٥] .

وَقَدْ أَرَادَ النَّوْعَيْنِ كَمَا يَرْمُزُ إِلَى ذَلِكَ التَّعْبِيرُ عَنْ إِيتَائِهِ الْخَيْرَ بِفِعْلِ أَنْزَلْتَ الْمُشْعِرِ بِرِفْعَةِ الْمُعْطَى. فَأَوَّلُ ذَلِكَ إِيتَاءُ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ.

وَمِنَ الْخَيْرِ إِنْجَاؤُهُ مِنَ الْقَتْلِ، وَتَرْبِيَتُهُ الْكَامِلَةُ فِي بِذْخَةِ الْمُلْكِ وَعِزَّتِهِ، وَحِفْظُهُ مِنْ أَنْ تَتَسَرَّبَ إِلَيْهِ عَقَائِدُ الْعَائِلَةِ الَّتِي رُبِّيَ فِيهَا فَكَانَ مُنْتَفِعًا بِمَنَافِعِهَا مُجَنَّبًا رَذَائِلَهَا وَأَضْرَارَهَا. وَمِنَ الْخَيْرِ أَنْ جَعَلَ نَصْرَ قَوْمِهِ عَلَى يَدِهِ، وَأَنْ أَنْجَاهُ مِنَ الْقَتْلِ الثَّانِي ظُلْمًا، وَأَنْ هَدَاهُ إِلَى مَنْجًى مِنَ الْأَرْضِ، وَيسر لَهُ التعرف بِبَيْتِ نُبُوءَةٍ، وَأَنْ آوَاهُ إِلَى ظِلٍّ.

وَ (مَا) مِنْ قَوْلِهِ لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مَوْصُولَةٌ كَمَا يَقْتَضِيهِ فِعْلُ الْمُضِيِّ فِي قَوْلِهِ أَنْزَلْتَ لِأَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيمَا مَضَى صَارَ مَعْرُوفًا غَيْرَ نَكِرَةٍ، فَقَوْلُهُ (مَا