للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢٨- ٢٩]

[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : الْآيَات ٢٨ الى ٢٩]

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩)

يُسْتَخْلَصُ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمِمَّا ذَكَرَهُ أَبُو حَيَّانَ فِي «الْبَحْرِ

الْمُحِيطِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ: أَنَّ وَجْهَ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ بِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ لَمَّا فُتِحَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَرْضُ قُرَيْظَةَ وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ وَكَانَتْ أَرْضُ النَّضِيرِ قُبَيْلَ ذَلِكَ فَيْئًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسِبَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّ مِثْلَهُ مِثْلُ أَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ إِذَا وُسِّعَ عَلَيْهِمُ الرِّزْقُ تَوَسَّعُوا فِيهِ هُمْ وَعِيَالُهُمْ فَلَمْ يَكُنْ أَزْوَاجُ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَسْأَلْنَهُ تَوْسِعَةً قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ النَّضِيرِ وَقَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخُمْسُ مِنَ الْغَنَائِمِ، فَلَمَّا رَأَيْنَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِنَفْسِهِ وَلِأَزْوَاجِهِ أَقْوَاتَهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَرَأَيْنَ وَفْرَةَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ حَسِبْنَ أَنَّهُ يُوَسِّعُ فِي الْإِنْفَاقِ فَصَارَ بَعْضُهُنَّ يَسْتَكْثِرْنَهُ مِنَ النَّفَقَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ لِحَفْصَةَ ابْنَتِهِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «لَا تَسْتَكْثِرِي النَّبِيءَ وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ» . وَلَكِنَّ اللَّهَ أَقَامَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَامًا عَظِيمًا فَلَا يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا إِلَّا بِمَا يَقْتَضِيهِ قِوَامُ الْحَيَاةِ وَقَدْ كَانَ

يَقُولُ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا»

وَقَالَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ»

. وَقَدْ بَيَّنْتُ وَجْهَ اسْتِثْنَاءِ هَذَيْنِ فِي رِسَالَةٍ كَتَبْتُهَا فِي الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ رِيَاضَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَفْسَهُ بِتَقْلِيلِ الطَّعَامِ.

وَقَالَ عُمَرُ: «كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ خَالِصَةً يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً لِلْمُسْلِمِينَ» . وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَرْضَ قُرَيْظَةَ قُسِّمَتْ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ بِحُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَلَعَلَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمَّا اتَّسَعَتْ أَرْزَاقُهُمْ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَمَّلَ أَزْوَاجُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُنَّ كَالْمُهَاجِرِينَ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَعَلِّمَهُنَّ سِيرَةَ الصَّالِحَاتِ فِي الْعَيْشِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُنَّ سَأَلْنَهُ أَشْيَاءَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا فَأَوْحَى إِلَى رَسُولِهِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْمُتَتَابِعَاتِ. وَهَذَا مِمَّا يُؤْذِنُ بِهِ