للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ لِقَصْدِ الْقَصْرِ وَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ، أَيْ الْعِزَّةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ لَا لَكُمْ كَمَا تَحْسَبُونَ.

وَإِعَادَةُ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: وَلِرَسُولِهِ مَعَ أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ مُغْنٍ عَنْهَا لِتَأْكِيدِ عزّة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهَا بِسَبَبِ عِزَّةِ اللَّهِ وَوَعْدِهِ إِيَّاهُ، وَإِعَادَةُ اللَّامِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَلِلْمُؤْمِنِينَ لِلتَّأْكِيدِ أَيْضًا إِذْ قَدْ تَخْفَى عِزَّتُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فِي حَالِ قِلَّةٍ وَحَاجَةٍ.

وَالْقَوْلُ فِي الِاسْتِدْرَاكِ بِقَوْلِهِ: وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ نَظِيرُ الْقَوْلِ آنِفًا فِي

قَوْلِهِ: وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ [المُنَافِقُونَ: ٧] .

وَعُدِلَ عَنِ الْإِضْمَارِ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ. وَقَدْ سَبَقَ اسْمُهُمْ فِي نَظِيرِهَا قَبْلَهَا لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةَ الدَّلَالَةِ بِذَاتِهَا فَتَسِيرُ سَيْرَ الْمَثَلِ.

وَإِنَّمَا نُفِيَ عَنْهُمْ هُنَا الْعِلْمُ تَجْهِيلًا بِسُوءِ التَّأَمُّلِ فِي أَمَارَاتِ الظُّهُورِ وَالِانْحِطَاطِ فَلَمْ يَفْطَنُوا لِلْإِقْبَالِ الَّذِي فِي أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَازْدِيَادِ سُلْطَانِهِمْ يَوْمًا فَيَوْمًا وَتَنَاقُصٍ مِنْ أَعْدَائِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ فَكَيْفَ يَظُنُّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ عِزَّتَهُمْ أَقْوَى مِنْ عِزَّةِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الَّذِينَ يَسْقُطُونَ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ كُلَّمَا غَزَوهُمْ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ فَمَا بعده.

[٩]

[سُورَة المُنَافِقُونَ (٦٣) : آيَة ٩]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩)

انْتِقَالٌ مِنْ كَشْفِ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ الْمَسُوقِ لِلْحَذَرِ مِنْهُمْ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ صِفَاتِهِمْ، إِلَى الْإِقْبَالِ عَلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ بِنَهْيِهِمْ عَمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَشْغَلَ عَنِ التَّذَكُّرِ لِمَا أَمْرَ اللَّهُ وَنَهَى، ثُمَّ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ وَإِسْعَافِ آحَادِهِمْ، لِئَلَّا يَسْتَهْوِيَهُمْ قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ [الْمُنَافِقين: ٧] وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى ذَلِكَ قَبْلَ إِتْيَانِ الْمَوْتِ الَّذِي لَا يُدْرَى وَقْتُ حُلُولِهِ حِينَ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ قَدْ تَأَخَّرَ أَجَلُهُ لِيَزِيدَ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّمَنِّي وَهُوَ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ [المُنَافِقُونَ: ١٠] ، فَالْمُنَاسِبَةُ لِهَذَا الِانْتِقَالِ هُوَ حِكَايَةُ مَقَالِ الْمُنَافِقِينَ وَلِذَلِكَ قدم ذكر الْأَمْوَال عَلَى ذِكْرِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ بِحَسَبِ السِّيَاقِ.