وَنُودِيَ الْمُخَاطَبُونَ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنَ التَّهَمُّمِ لِامْتِثَالِ النَّهْيِ.
وَخُصَّ الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ بِتَوَجُّهِ النَّهْيِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِهَا اشْتِغَالًا يُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ مِمَّا يَكْثُرُ إِقْبَالُ النَّاسِ عَلَى إِنْمَائِهَا وَالتَّفْكِيرِ فِي اكْتِسَابِهَا بِحَيْثُ تَكُونُ أَوْقَاتُ الشُّغْلِ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَوْقَاتِ الشُّغْلِ بِالْأَوْلَادِ. وَلِأَنَّهَا كَمَا تَشْغَلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِصَرْفِ الْوَقْتِ فِي كَسْبِهَا وَنَمَائِهَا، تَشْغَلُ عَنْ ذِكْرِهِ أَيْضًا بِالتَّذْكِيرِ لِكَنْزِهَا بِحَيْثُ يُنْسَى ذِكْرُ مَا دَعَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ إِنْفَاقِهَا.
وَأَمَّا ذِكْرُ الْأَوْلَادِ فَهُوَ إِدْمَاجٌ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْأَوْلَادِ وَالشَّفَقَةَ عَلَيْهِم وتدبير شؤونهم وَقَضَاءَ الْأَوْقَاتِ فِي التَّأَنُّسِ بِهِمْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُنْسِيَ عَنْ تَذَكُّرِ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فِي أَوْقَاتٍ كَثِيرَةٍ
فَالشُّغْلُ بِهَذَيْنِ أَكْثَرُ مِنَ الشُّغْلِ بِغَيْرِهِمَا.
وَصِيغَ الْكَلَامُ فِي قَالَبِ تَوْجِيهِ النَّهْيِ عَنِ الْإِلْهَاءِ عَنِ الذَّكْرِ، إِلَى الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالْمُرَادُ نَهْيُ أَصْحَابِهَا، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مَعْرُوفٌ وَقَرِينَتُهُ هُنَا قَوْلُهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. وَأَصْلُهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ مُبَالَغَةً فِي نَهْيِ أَصْحَابِهَا عَنِ الِاشْتِغَالِ بِسَبَبِهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَنُزِّلَ سَبَبُ الْإِلْهَاءِ مَنْزِلَةَ اللَّاهِي لِلْمُلَابَسَةِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ:
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ [الْأَعْرَاف: ٢٧] وَقَوْلِهِمْ لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا.
وَلَا فِي قَوْلِهِ: وَلا أَوْلادُكُمْ نَافِيَةٌ عَاطِفَةٌ أَوْلادُكُمْ عَلَى أَمْوالُكُمْ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَدْخُولُ لَا النَّاهِيَةِ لِأَنَّ النَّهْيَ يَتَضَمَّنُ النَّفْيَ إِذْ هُوَ طَلَبُ عَدَمِ الْفِعْلِ فَ لَا النَّاهِيَةِ أَصْلُهَا لَا النَّافِيَةُ أُشْرِبَتْ مَعْنَى النَّهْيِ عِنْدَ قَصْدِ النَّهْيِ فَجَزَمَتِ الْفِعْلَ حَمْلًا عَلَى مُضَادَّةِ مَعْنَى لَامِ الْأَمْرِ فَأُكِّدَ النَّهْيُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِالْأَوْلَادِ بِحَرْفِ النَّفْيِ لِيَكُونَ لِلِاشْتِغَالِ بِالْأَوْلَادِ حَظٌّ مِثْلُ حَظِّ الْأَمْوَالِ.
وذِكْرِ اللَّهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَيَيْهِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ. فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ بِالْلِسَانِ كَالصَّلَاةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَالتَّذَكُّرَ بِالْعَقْلِ كَالتَّدَبُّرِ فِي صِفَاتِهِ وَاسْتِحْضَارِ امْتِثَالِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:
«أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِالْلِسَانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ» .
وَفِيهِ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ الَّذِي لَا يُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ وَلَهُ مَرَاتِبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute