وَالْمَقْصُودُ:
زِيَادَةُ تَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَتَشْرِيفِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فِي أُمِّ الْكِتابِ بِضَمِّ هَمْزَةِ أُمِّ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ هَمْزَةِ أُمِّ الْكِتابِ فِي الْوَصْلِ اتِّبَاعًا لِكَسْرَةِ فِي، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى فِي لَمْ يكسر الْهمزَة.
[٥]
[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٥]
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥)
الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف: ٣] ، أَيْ أَتَحْسَبُونَ أَنَّ إِعْرَاضَكُمْ عَمَّا نَزَلَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ يَبْعَثُنَا عَلَى أَنْ نَقْطَعَ عَنْكُمْ تَجَدُّدَ التَّذْكِيرِ بِإِنْزَالِ شَيْءٍ آخَرَ مِنَ الْقُرْآنِ. فَلَمَّا أُرِيدَتْ إِعَادَةُ تَذْكِيرِهِمْ وَكَانُوا قَدْ قَدَّمَ إِلَيْهِمْ مِنَ التَّذْكِيرِ مَا فِيهِ هَدْيُهُمْ لَوْ تَأَمَّلُوا وَتَدَبَّرُوا، وَكَانَتْ إِعَادَةُ التَّذْكِيرِ لَهُمْ مَوْسُومَةً فِي نَظَرِهِمْ بِقِلَّةِ الْجَدْوَى بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ اسْتِمْرَارَ إِعْرَاضِهِمْ لَا يَكُونُ سَبَبًا فِي قَطْعِ الْإِرْشَادِ عَنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ رَحِيمٌ بِهِمْ مُرِيدٌ لِصَلَاحِهِمْ لَا يَصُدُّهُ إِسْرَافُهُمْ فِي الْإِنْكَارِ عَنْ زِيَادَةِ التَقَدُّمِ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَاعِظِ وَالْهَدْيِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ نَضْرِبَ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا مِنْ جَرَّاءِ إِسْرَافِكُمْ.
وَالضَّرْبُ حَقِيقَتُهُ قَرْعُ جِسْمٍ بِآخَرَ، وَلَهُ إِطْلَاقَاتٌ أَشْهَرُهَا: قَرَعَ الْبَعِيرَ بِعَصًا، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى الْقَطْعِ وَالصَّرْفِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: ضَرَبَ الْغَرَائِبَ عَنِ الْحَوْضِ، أَيْ أَطْرَدَهَا وَصَرَفَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِأَهْلِ الْمَاءِ، فَاسْتَعَارُوا الضَّرْبَ لِلصَّرْفِ وَالطَّرْدِ، وَقَالَ طَرَفَةُ:
أَضْرِبَ عَنْكَ الْهُمُومَ طَارِقَهَا ... ضَرْبَكَ بِالسَّيْفِ قَوْنَسَ الْفَرَسِ (١)
(١) (اضْرِب) فعل أَمر فهمزته همزَة وصل مَكْسُورَة. وَجَاء بِهِ مَفْتُوح الآخر على تَقْدِير نون التوكيد ضَرُورَة، و (طارقها) بدل من (الهموم) أَي الَّتِي تحدث لَك فِي اللَّيْل، و (القونس) عظم ناتىء بَين أُذُنِي الْفرس إِذا ضرب بِالسَّيْفِ فِي الْحَرْب هلك الْفرس، أَرَادَ: اضْرِب الهموم ضربا قَاطعا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute