وَلَعَلَّ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ هَذِهِ كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ إِسْرَائِيلَ تَزَوَّجَهَا فِرْعَوْنُ فَكَانَتْ مُؤْمِنَةً بِرِسَالَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا عَمَّةُ مُوسَى، أَوْ تَكُونُ هَدَاهَا اللَّهُ إِلَى الْإِيمَان بمُوسَى كَمَا هَدَى الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ غَافِرٍ.
وسماها النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آسِيَةَ
فِي قَوْلِهِ: «كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَرَادَتْ بِعَمَلِ فِرْعَوْنَ ظُلْمَهُ، أَيْ نَجِّنِي مِنْ تَبِعَةِ أَعْمَالِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ مِنْ صُحْبَتِهِ طَلَبَتْ لِنَفْسِهَا فَرَجًا وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
وَمَعْنَى قالَتْ أَنَّهَا أَعْلَنَتْ بِهِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ فِرْعَوْنَ اطَّلَعَ عَلَيْهَا وَأَعْلَنَ ذَلِكَ لِقَوْمِهِ وَأَمَرَ بِتَعْذِيبِهَا فَمَاتَتْ فِي تَعْذِيبِهِ وَلَمْ تَحُسَّ أَلَمًا.
وَالْقَوْمُ الظَّالِمُونَ: هُمْ قَوْمُ فِرْعَوْنَ. وَظُلْمُهُمْ: إِشْرَاكُهُمْ بِاللهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهَا: ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ صَدُّوهَا عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ وزيّنوا لَهَا أَنا إِنْ آمَنَتْ بِمُوسَى تُضَيِّعْ مُلْكًا عَظِيمًا وَقَصْرًا فَخِيمًا أَوْ أَنَّ فِرْعَوْنَ وَعَظَهَا بِأَنَّهَا إِنْ أَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ تُقْتَلْ، فَلَا يَكُونُ مَدْفَنُهَا الْهَرَمَ الَّذِي بَنَاهُ فِرْعَوْنُ لِنَفْسِهِ لدفنه فِي بادىء الْمُلُوكِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ بَيْتَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ دُرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَتَكُونُ مُشَابِهَةَ الْهَرَمِ الَّذِي كَانَ مُعَدًّا لِحَفْظِ جُثَّتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَزَوْجِهَا. فَقَوْلُهَا ذَلِكَ كَقَوْلِ السَّحَرَةِ الَّذِينَ آمَنُوا جَوَابًا عَنْ تَهْدِيدِ فِرْعَوْنَ لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ الْآيَةَ فِي سُورَة طه [٧٢] .
[١٢]
[سُورَة التَّحْرِيم (٦٦) : آيَة ١٢]
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)
عطف على امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ، أَيْ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ، فَضَرَبَ مَثَلَيْنِ فِي الشَّرِّ وَمَثَلَيْنِ فِي الْخَيْرِ.
وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَسَبِهَا وَكَرَامَتِهَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَغَيْرِهَا،