للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ١١١]

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١)

لَمَّا كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ أَوْ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ زِيَادَةِ تَصْمِيمِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ بِإِعْلَانِ التَّوْحِيدِ لِقَطْعِ دَابِرِ تَوَهُّمِ مَنْ توهموا أَن الرحمان اسْمٌ لِمُسَمًّى غَيْرِ مُسَمَّى اسْمِ اللَّهِ، فَبَعْضُهُمْ تَوَهَّمَهُ إِلَهًا شَرِيكًا، وَبَعْضُهُمْ تَوَهَّمَهُ مُعِينًا وَنَاصِرًا، أُمِرَ النَّبِيءُ بِأَنْ يَقُولَ مَا يَقْلَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَأَنْ يُعَظِّمَهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ التَّعْظِيمِ.

وَجُمْلَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ تَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ تَعَالَى بِالْحَمْدِ، أَيْ قَصْرِ جِنْسِ الْحَمْدِ عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مُسْتَحِقٍّ لِأَنْ يُحْمَدَ. فَالتَّخْصِيصُ ادِّعَائِيٌّ بِادِّعَاءِ أَنَّ دَوَاعِيَ حَمْدِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَانِبِ دَوَاعِي حَمْدِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ.

وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنَ الذُّلِّ بِمَعْنَى لَامِ التَّعْلِيلِ.

وَالذُّلُّ: الْعَجْزُ وَالِافْتِقَارُ، وَهُوَ ضِدُّ الْعِزِّ، أَيْ لَيْسَ لَهُ نَاصِرٌ مِنْ أَجْلِ الذُّلِّ.

وَالْمُرَادُ: نَفِيُ النَّاصِرِ لَهُ عَلَى وَجْهٍ مُؤَكَّدٍ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى النَّاصِرِ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ الْعَجْزِ عَنِ الِانْتِصَارِ لِلنَّفْسِ. وَيَجُوزُ تَضْمِينُ (الْوَلِيِّ) مَعْنَى (الْمَانِعِ) فَتَكُونُ (مِنْ) لِتَعْدِيَةِ الِاسْمِ الْمُضَمَّنِ مَعْنَاهُ.

وَمَعْنَى كَبِّرْهُ اعْتَقِدْ أَنَّهُ كَبِيرٌ، أَيْ عَظِيمٌ الْعِظَمَ الْمَعْنَوِيَّ الشَّامِلَ لِوُجُوبِ الْوُجُودِ وَالْغِنَى الْمُطْلَقِ، وَصِفَاتِ الْكَمَالِ كُلِّهَا الْكَامِلَةِ التَّعَلُّقَاتِ، لِأَنَّ الِاتِّصَافَ بِذَلِكَ كُلِّهِ كَمَالٌ، وَالِاتِّصَافَ بِأَضْدَادِ ذَلِكَ نَقْصٌ وَصَغَارٌ مَعْنَوِيٌّ.