أَنَّهُ رَبٌّ آخَرُ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرُ آلِهَتِهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ لَا يَجْهَرَ
بِدُعَائِهِ أَوْ لَا يَجْهَرَ بِقِرَاءَةِ صَلَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ.
وَلَعَلَّ سُفَهَاءَ الْمُشْرِكِينَ تَوَهَّمُوا مِنْ صدع النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ بِالدُّعَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ التَّحَكُّكَ بِهِمْ وَالتَّطَاوُلَ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مُجَرَّدًا عَنْ ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ فَاغْتَاظُوا وَسَبُّوا، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ لَا يَجْهَرَ بِصَلَاتِهِ هَذَا الْجَهْرَ تَجَنُّبًا لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثِيرَ حَفَائِظَهُمْ وَيَزِيدَ تَصَلُّبَهُمْ فِي كُفْرِهِمْ فِي حِينِ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَلْيِينُ قُلُوبِهِمْ.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ النَّهْيُ عَنْ شِدَّةِ الْجَهْرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُخافِتْ بِها فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاحْتِرَاسُ لِكَيْلَا يَجْعَلَ دُعَاءَهُ سِرًّا أَوْ صَلَاتَهُ كُلَّهَا سِرًّا فَلَا يَبْلُغُ أَسْمَاعَ الْمُتَهَيِّئِينَ لِلِاهْتِدَاءِ بِهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْجَهْرِ تَجَنُّبُ جَهْرٍ يَتَوَهَّمُ مِنْهُ الْكُفَّارُ تَحَكُّكًا أَوْ تَطَاوُلًا كَمَا قُلْنَا.
وَالْجَهْرُ: قُوَّةُ صَوْتِ النَّاطِقِ بِالْكَلَامِ.
وَالْمُخَافَتَةُ مُفَاعَلَةٌ: مِنْ خَفَتَ بِكَلَامِهِ، إِذَا أَسَرَّ بِهِ. وَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الشِّدَّةِ، أَيْ لَا تُسِرَّهَا.
وَقَوْلُهُ: ذلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَذْكُورِ، أَيِ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ الْمَعْلُومَيْنِ مِنْ فِعْلَيْ تَجْهَرْ- وتُخافِتْ أَيِ اطْلُبْ سَبِيلًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِسْمَاعِ النَّاسِ الْقُرْآنَ وَيَنْتَفِي تَوَهُّمُ قَصْدِ التطاول عَلَيْهِم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute