مِنْ حِجَارَةٍ لَا مِنْ آجُرٍّ، وَلِأَنَّهَا جُعِلَتْ مَدَافِنَ لِلَّذِينَ بَنَوْهَا مِنَ الْفَرَاعِنَةِ. وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَلْ وَقَعَ بِنَاءُ هَذَا الصَّرْحِ وَتَمَّ أَوْ لَمْ يَقَعْ فَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ تَمَّ وَصَعِدَ فِرْعَوْنُ إِلَى أَعْلَاهُ وَنَزَلَ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَ رَبَّ مُوسَى. وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّرْحَ سَقَطَ قَبْلَ إِتْمَامِ بِنَائِهِ فَأَهْلَكَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ عَمَلَةِ الْبِنَاءِ وَالْجُنْدِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي بِنَائِهِ. وَقَدْ لَاحَ لِي فِي مَعْنَى الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ سَأَذْكُرُهُ فِي سُورَة الْمُؤمن.
[٣٩]
[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٣٩]
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لَا يُرْجَعُونَ (٣٩)
الِاسْتِكْبَارُ: أَشَدُّ مِنَ الْكِبْرِ، أَيْ تَكَبَّرَ تَكَبُّرًا شَدِيدًا إِذْ طَمِعَ فِي الْوُصُولِ إِلَى الرَّبِّ الْعَظِيمِ وُصُولَ الْغَالِبِ أَوِ الْقَرِينِ.
وجُنُودُهُ: أَتْبَاعُهُ. فَاسْتِكْبَارُهُ هُوَ الْأَصْلُ وَاسْتِكْبَارُ جُنُودِهِ تَبَعٌ لِاسْتِكْبَارِهِ لِأَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَهُ وَيَتَلَقَّوْنَ مَا يُمْلِيهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَقَائِدِ.
والْأَرْضِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْمَعْهُودَةُ، أَيْ أَرْضُ مِصْرَ وَأَنْ يُرَادَ بِهَا الْجِنْسُ، أَيْ فِي عَالَمِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ أَعْظَمَ أُمَمِ الْأَرْضِ.
وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ حَال لَازِمَةٌ لِعَامِلِهَا إِذْ لَا يَكُونُ الِاسْتِكْبَارُ إِلَّا بِغَيْرِ الْحَقِّ.
وَقَوْلُهُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لَا يُرْجَعُونَ مَعْلُومٌ بِالْفَحْوَى مِنْ كَفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ لِأَهَمِّيَّةِ إِبْطَالِهِ فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِدَلَالَةِ مَفْهُومِ الْفَحْوَى، وَلِأَنَّ فِي التَّصْرِيحِ بِهِ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ فِي أَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ سَوَاءٌ فَلْيَضَعُوا أَنْفُسَهُمْ فِي أَيِّ مَقَامٍ مِنْ مَقَامَاتٍ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلٍ يُلَقَّبُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ بِفِرْعَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْذًا مِنْ تَعْرِيضَاتِ الْقُرْآنِ.
وَمَعْنَى ذَلِكَ: ظَنُّوا أَنْ لَا بَعْثَ وَلَا رُجُوعَ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالْمَرْجُوعِ إِلَيْهِ. فَذِكْرُ إِلَيْنا لِحِكَايَةِ الْوَاقِعِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ وَلَمْ يُنْكِرُوا وُجُودَ اللَّهِ مِثْلَ الْمُشْرِكِينَ. وَتَقْدِيمُ إِلَيْنا عَلَى عَامِلِهِ لِأَجْلِ الْفَاصِلَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ فِي مَنَعَةٍ مِنْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي قَبْضَةِ قُدْرَتِنَا كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute