وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا يُقَالُ لِلْمُتَّقِينَ فِي الْجَنَّةِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ هُوَ فِي مَحَلِّ حَالٍ ثَانِيَةٍ مِنَ «الْمُتَّقِينَ» . وَالتَّقْدِيرُ: مَقُولًا لَهُمْ: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ.
وَالْقَوْلُ: إِمَّا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النَّحْل: ٣٢] ، وَإِمَّا مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى نَظِيرُ قَوْلِهِ لِضِدِّهِمْ: وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ [آل عمرَان:
١٨١] .
وَالْإِشَارَةُ إِذَنْ إِلَى مَا هُوَ مُشَاهَدٌ عِنْدَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تُوعَدُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغِيبَةِ إِلَى الْخِطَابِ لِتَشْرِيفِ الْمُتَّقِينَ بِعِزِّ الْحُضُورِ لِخِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي الْخِطَابُ لَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحْدَهُ «يُوعَدُونَ» بِيَاءِ الْغَيْبَةِ فَهُوَ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ الْتِفَاتٌ عَنْ تَوْجِيهِ الْخِطَابِ إِلَيْهِمْ إِلَى تَوْجِيهِهِ لِلِطَّاغِينَ لِزِيَادَةِ التَّنْكِيلِ عَلَيْهِمْ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْمَذْكُورِ من «حسن المئاب» ، وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي كَذَلِكَ وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى أَهْلِ الْمَحْشَرِ لِتَنْدِيمِ الطَّاغِينَ وَإِدْخَالِ الْحَسْرَةِ وَالْغَمِّ عَلَيْهِمْ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى النَّعِيمِ الْمُشَاهَدِ.
وَاللَّامُ فِي لِيَوْمِ الْحِسابِ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ وُعِدْتُمُوهُ لِأَجْلِ يَوْمِ الْحِسَابِ. وَالْمَعْنَى لِأَجْلِ الْجَزَاءِ يَوْمَ الْحِسَابِ، فَلَمَّا كَانَ الْحِسَابُ مُؤْذِنًا بِالْجَزَاءِ جُعِلَ الْيَوْمُ هُوَ الْعِلَّةُ. وَهَذِهِ اللَّامُ تُفِيدُ مَعْنَى التَّوْقِيتِ تَبَعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الْإِسْرَاء: ٧٨] تَنْزِيلًا لِلْوَقْتِ مَنْزِلَةَ الْعِلَّةِ. وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: أَوْقَاتُ الصَّلَوَات أَسبَاب.
[٥٤]
[سُورَة ص (٣٨) : آيَة ٥٤]
إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤)
يَجْرِي مَحْمَلُ اسْمِ الْإِشَارَةِ هَذَا عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ.
وَالْعُدُولُ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ لِكَمَالِ الْعِنَايَةِ بِتَمْيِيزِهِ وَتَوْجِيهِ ذِهْنِ السَّامِعِ إِلَيْهِ. وَأُطْلِقَ الرِّزْقُ عَلَى النِّعْمَةِ كَمَا
فِي قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ قَالَ حِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute