أَرْضِ كَنْعَانَ، فَأَمَّا سُؤَالُ الْعِيرِ فَسَهْلٌ وَأَمَّا سُؤَالُ الْقَرْيَةِ فَيَكُونُ بِالْإِرْسَالِ أَوِ الْمُرَاسَلَةِ أَوِ الذَّهَابِ بِنَفْسِهِ إِنْ أَرَادَ الاستثبات.
[٨٣]
[سُورَة يُوسُف (١٢) : آيَة ٨٣]
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣)
جُعِلَتْ جُمْلَةُ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ فِي صُورَةِ الْجَوَابِ عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي لَقَّنَهُ أَخُوهُمْ
عَلَى طَرِيقَةِ الْإِيجَازِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَرَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ فَقَالُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ الَّذِي لَقَّنَهُ إِيَّاهُمْ (رُوبِينُ) قَالَ أَبُوهُمْ: بَلْ سَوَّلَتْ ... إِلَخَّ.
وَقَوْلُهُ هُنَا كَقَوْلِهِ لَهُمْ حِينَ زَعَمُوا أَنَّ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَكَلَهُ الذِّئْبُ، فَهُوَ تُهْمَةٌ لَهُمْ بِالتَّغْرِيرِ بِأَخِيهِمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ظَنَّ بِهِمْ سُوءًا فَصَدَقَ ظنّه فِي زعمم فِي يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَا ظَنَّهُ فِي أَمْرِ بِنْيَامِينَ، أَيْ أَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ بِهِمْ فِي قَضِيَّةِ (بِنْيَامِينَ) ، وَمُسْتَنَدُهُ فِي هَذَا الظَّنِّ عِلْمُهُ أَنَّ ابْنَهُ لَا يَسْرِقُ، فَعَلِمَ أَنَّ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ مَكِيدَةً. فَظَنُّهُ صَادِقٌ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا عَلَى التَّفْصِيلِ. وَأَمَّا تُهْمَتُهُ أَبْنَاءَهُ بِأَن يَكُونُوا تمالؤوا عَلَى أَخِيهِمْ بِنْيَامِينَ فَهُوَ ظَنٌّ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْقِيَاسِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَمْرِهِمْ فِي قَضِيَّةِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَإِنَّهُ كَانَ قَالَ لَهُمْ: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ سُورَة يُوسُف [٦٤] . وَيَجُوزُ عَلَى النَّبِيءِ الْخَطَأُ فِي الظَّنِّ فِي أُمُورِ الْعَادَاتِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ تَرْكِ إِبَّارِ النَّخْلِ.
وَلَعَلَّهُ اتَّهَمَ رُوبِينَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اخْتَفَى لِتَرْوِيجِ دَعْوَى إِخْوَتِهِ. وَضَمِيرُ بِهِمْ لِيُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَبِنْيَامِينَ وَرُوبِينَ. وَهَذَا كَشْفٌ مِنْهُ إِذْ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ حَيَاةِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ تَعْلِيلٌ لِرَجَائِهِ مِنَ اللَّهِ بِأَنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ مَوَاقِعُهُمُ الْمُتَفَرِّقَةُ. حَكِيمٌ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِيجَادِ أَسْبَابِ جَمْعِهِمْ بعد التَّفَرُّق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute