تُخْبِرُونَ بِهِ مِنْ أَخْذِ بِنْيَامِينَ فِي سَرِقَةِ الصُّوَاعِ. وَفَرَّعَ عَلَيْهِ كَبِيرُهُمْ أَنَّهُ يَبْقَى فِي مِصْرَ لِيَكُونَ بَقَاؤُهُ عَلَامَةً عِنْدَ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَعْرِفُ بِهَا صِدْقَهُمْ فِي سَبَبِ تَخَلُّفِ بِنْيَامِينَ، إِذْ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ
يَبْقَى غَرِيبًا لَوْلَا خَوْفُهُ مِنْ أَبِيهِ، وَلَا يَرْضَى بَقِيَّةُ أَشِقَّائِهِ أَنْ يَكِيدُوا لَهُ كَمَا يَكِيدُونَ لِغَيْرِ الشَّقِيقِ.
وَقَوْلُهُ: أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي تَرْدِيدٌ بَيْنَ مَا رَسَمَهُ هُوَ لِنَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا عَسَى أَنْ يكون الله قد قَدَّرَهُ لَهُ مِمَّا لَا قِبَلَ لَهُ بِدَفْعِهِ، فَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ يَحْكُمَ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ لِتَنْزِيلِ فِعْلِ يَحْكُمَ مَنْزِلَةَ مَا لَا يَطْلُبُ مُتَعَلِّقًا.
وَاللَّامُ لِلْأَجْلِ، أَيْ يَحْكُمَ اللَّهُ بِمَا فِيهِ نَفْعِي. وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ التَّقْدِيرُ.
وَجُمْلَةُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ تَذْيِيلٌ. وخَيْرُ الْحاكِمِينَ إِنْ كَانَ عَلَى التَّعْمِيمِ فَهُوَ الَّذِي حُكْمُهُ لَا جَوْرَ فِيهِ أَوِ الَّذِي حُكْمُهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ نَقْضَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى إِرَادَةِ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ لِي فَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الثَّنَاءِ لِلتَّعْرِيضِ بِالسُّؤَالِ أَنْ يُقَدِّرَ لَهُ مَا فِيهِ رَأْفَةٌ فِي رَدِّ غُرْبَتِهِ.
وَعَدَمُ التَّعَرُّضِ لِقَوْلٍ صَدَرَ مِنْ بِنْيَامِينَ يُدَافِعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَازِمُ السُّكُوتِ لِأَنَّهُ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مُرَادِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنِ اسْتِبْقَائِهِ عِنْدَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
آوَى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ [يُوسُف: ٦٩] .
ثُمَّ لَقَّنَهُمْ كَبِيرُهُمْ مَا يَقُولُونَ لِأَبِيهِمْ. وَمَعْنَى وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ احْتِرَاسٌ مِنْ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ سَرَقَ، وَهُوَ إِمَّا لِقَصْدِ التَّلَطُّفِ مَعَ أَبِيهِمْ فِي نِسْبَةِ ابْنِهِ إِلَى السَّرِقَةِ وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مِنْ أَمَانَةِ أَخِيهِمْ مَا خَالَجَهُمْ بِهِ الشَّكُّ فِي وُقُوعِ السَّرِقَةِ مِنْهُ.
وَالْغَيْبُ: الْأَحْوَالُ الْغَائِبَةُ عَنِ الْمَرْءِ. وَالْحِفْظُ: بِمَعْنَى الْعِلْمِ.
وَسُؤَالُ الْقَرْيَةِ مَجَازٌ عَنْ سُؤَالِ أَهْلِهَا. وَالْمُرَادُ بِهَا مَدِينَةُ مِصْرَ. وَالْمَدِينَةُ وَالْقَرْيَةُ مُتَرَادِفَتَانِ. وَقَدْ خُصَّتِ الْمَدِينَةُ فِي الْعُرْفِ بِالْقَرْيَةِ الْكَبِيرَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالْعِيرِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا رِفَاقُهُمْ فِي عِيرِهِمُ الْقَادِمِينَ إِلَى مِصْرَ مِنْ