أَسْمَاءَكُمْ حِينَ دَعَوْنَاكُمْ حَلَّ الشُّؤْمُ بَيْنَكُمْ كِنَايَة عَن كَونهم أَهْلًا لِأَنْ تَكُونَ أَسْمَاؤُهُمْ شُؤْمًا.
وَفِي ذِكْرِ كَلِمَةِ قَوْمٌ إِيذَانٌ بِأَنَّ الْإِسْرَافَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُمْ وَبِهِ قِوَامُ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَة الْبَقَرَة [١٦٤] .
[٢٠- ٢٥]
[سُورَة يس (٣٦) : الْآيَات ٢٠ إِلَى ٢٥]
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥)
عُطِفَ عَلَى قِصَّةِ التَّحَاوُرِ الْجَارِي بَيْنَ أَصْحَابِ الْقَرْيَةِ وَالرُّسُلِ الثَّلَاثَةِ لِبَيَانِ الْبَوْنِ بَيْنَ حَالِ الْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهَّلِ الْقَرْيَةِ وَحَالِ الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ مِنْهُمُ الَّذِي وَعَظَهُمْ بِمَوْعِظَةٍ بَالِغَةٍ وَهُوَ مِنْ نَفَرٍ قَلِيلٍ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ.
فَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ [يس: ١٣] وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهَا عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [يس: ١٤] .
وَالْمُرَادُ بِالْمَدِينَةِ هُنَا نَفْسُ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: أَصْحابَ الْقَرْيَةِ [يس: ١٣] عُبِّرَ عَنْهَا هُنَا بِالْمَدِينَةِ تفننا، فَيكون أَقْصَا صِفَةً لِمَحْذُوفٍ هُوَ الْمُضَافُ فِي الْمَعْنَى إِلَى الْمَدِينَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ بَعِيدِ الْمَدِينَةِ، أَيْ طَرَفِ الْمَدِينَةِ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ ظَهَرَ فِي أَهْلِ رَبَضِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ ظُهُورِهِ فِي قَلْبِ الْمَدِينَةِ
لِأَنَّ قَلْبَ الْمَدِينَةِ هُوَ مَسْكَنُ حُكَّامِهَا وَأَحْبَارِ الْيَهُودِ وَهُمْ أَبْعَدُ عَنِ الِإِنْصَافِ وَالنَّظَرِ فِي صِحَّةِ مَا يَدعُوهُم إِلَيْهِ الرُّسُلُ، وَعَامَّةُ سُكَّانِهَا تَبَعٌ لِعُظَمَائِهَا لِتَعَلُّقِهِمْ بِهِمْ وَخَشْيَتِهِمْ بَأْسَهُمْ بِخِلَافِ سُكَّانِ أَطْرَاف الْمَدِينَةِ فَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الِاسْتِقْلَالِ بِالنَّظَرِ وَقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ بِالْآخَرِينَ لِأَن سكان الْأَطْرَاف غَالِبُهُمْ عَمَلَةُ أَنْفُسِهِمْ لِقُرْبِهِمْ مِنَ الْبَدْوِ.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ تَقْدِيم مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ عَلَى رَجُلٌ لِلِاهْتِمَامِ بِالثَّنَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute