للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَجَابَ نُوحٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَلَامَ رَبِّهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّنَصُّلِ مِمَّا سَأَلَ فَاسْتَعَاذَ أَنْ يَسْأَلَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، فَإِنْ كَانَ نُوحٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَرَادَ بِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ التَّعْرِيضَ بِالسُّؤَالِ فَهُوَ أَمْرٌ قَدْ وَقَعَ فَالِاسْتِعَاذَةُ تَتَعَلَّقُ بِتَبِعَةِ ذَلِكَ أَوْ بِالْعَوْدِ إِلَى مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَرَادَ التَّمْهِيدَ لِلسُّؤَالِ فَالِاسْتِعَاذَةُ ظَاهِرَةٌ، أَيِ الِانْكِفَافُ عَنِ الْإِفْضَاءِ بِالسُّؤَالِ.

وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ ابْتِدَاءٌ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ ثُمَّ أَعْقَبَهَا بِطَلَبِ الرَّحْمَةِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بِمَحَلِّ الرِّضَى مِنَ اللَّهِ كَانَ أَهْلًا لِلرَّحْمَةِ.

وَقَدْ سَلَكَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ مَسْلَكَ كَوْنِ سُؤَالِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- سُؤَالًا لِإِنْجَاءِ ابْنِهِ مِنَ الْغَرَقِ فَاعْتَرَضَتْهُمْ سُبُلٌ وَعْرَةٌ مُتَنَائِيَةٌ، وَلَقُوا عَنَاءً فِي الِاتِّصَالِ بَيْنَهَا، وَالْآيَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْهَا، وَلَعَلَّنَا سَلَكْنَا الْجَادَّةَ فِي تَفْسِيرهَا.

[٤٨]

[سُورَة هود (١١) : آيَة ٤٨]

قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨)

فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ وَلَمْ تُعْطَفْ لِوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ بَيْنَ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَرَبِّهُ، فَإِنَّ نُوحًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا أَجَابَ بِقَوْلِهِ: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ [هود: ٤٧] إِلَى آخِرِهِ خَاطَبَهُ رَبُّهُ إِتْمَامًا لِلْمُحَاوَرَةِ بِمَا يُسَكِّنُ جَأْشَهُ.

وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ: قَالَ يَا نُوحُ اهْبِطْ، وَلَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ إِلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلنَّائِبِ لِيَجِيءَ عَلَى وَتِيرَةِ حِكَايَةِ أَجْزَاءِ الْقِصَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقِيلَ يَا أَرْضُ

ابْلَعِي

... وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود: ٤٤] فَحَصَلَ بِذَلِكَ الْبِنَاءِ قَضَاءُ حَقِّ الْإِشَارَةِ إِلَى جُزْءِ الْقِصَّةِ، كَمَا حَصَلَ بِالْفَصْلِ قَضَاءُ حَقِّ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ جُزْءُ الْمُحَاوَرَةِ.