للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«فَلَا تَسْأَلْنِ» - بِسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِ النُّونِ مُخَفَّفَةً- عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ بِنُونِ التَّوْكِيدِ وَمُعَدَّى إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ.

وَأَكْثَرُهُمْ حَذَفَ الْيَاءَ فِي حَالَةِ الْوَصْلِ، وَأَثْبَتَهَا فِي الْوَصْلِ وَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ وَأَبُو عَمْرٍو.

ثُمَّ إِنْ كَانَ نُوحٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يَسْبِقْ لَهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لِلْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ كَانَ نَهْيُهُ عَنْ أَنْ يَسْأَلَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، نَهْيَ تَنْزِيهٍ لِأَمْثَالِهِ لِأَن دَرَجَة النبوءة تَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْدِمَ عَلَى سُؤَالِ رَبِّهِ سُؤْلًا لَا يَعْلَمُ إِجَابَتَهُ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ: ٢٣] وَقَوْلِهِ: لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [النبإ: ٣٨] ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ قَبْلُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وَكَانَ سُؤَالُهُ الْمَغْفِرَةَ لِابْنِهِ طَلَبًا تَخْصِيصَهُ مِنَ الْعُمُومِ. وَكَانَ نَهْيُهُ نَهْيَ لَوْمٍ وَعِتَابٍ حَيْثُ لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْ رَبِّهِ جَوَازَ ذَلِكَ.

وَكَانَ قَوْلُهُ: مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ مُحْتَمِلًا لِظَاهِرِهِ، وَمُحْتَمِلًا لِأَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْعِلْمِ بِضِدِّهِ، أَيْ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ قَوْلُ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي إِلَى آخِرِهِ تَعْرِيضًا بِالْمَسْئُولِ كَانَ النَّهْيُ فِي قَوْله: فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ نَهْيًا عَنِ الْإِلْحَاحِ أَوِ الْعَوْدِ إِلَى سُؤَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُجَرَّدَ تَمْهِيدٍ لِلسُّؤَالِ لِاخْتِبَارِ حَالِ إِقْبَالِ اللَّهِ عَلَى سُؤَالِهِ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَسْئَلْنِ نَهْيًا عَنِ الْإِفْضَاءِ بِالسُّؤَالِ الَّذِي مَهَّدَ لَهُ بِكَلَامِهِ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ النَّهْيِ تَنْزِيهُهُ عَنْ تَعْرِيضِ سُؤَالِهِ لِلرَّدِّ.

وَعَلَى كُلِّ الْوُجُوهِ فَقَوْلُهُ: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ مَوْعِظَةٌ عَلَى تَرْكِ التَّثَبُّتِ قَبْلَ الْإِقْدَامِ.

وَالْجَهْلُ فِيهِ ضِدُّ الْعِلْمِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.