للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَطْفُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَمْوَالِ لِاسْتِيفَاءِ أَقْوَى دَوَاعِي الْخِيَانَةِ، فَإِنَّ غَرَضَ جُمْهُورِ النَّاسِ فِي جَمْعِ الْأَمْوَالِ أَنْ يَتْرُكُوهَا لِأَبْنَائِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَقَدْ كَثُرَ قَرْنُ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فِي التَّحْذِيرِ، وَنَجِدُهُ فِي الْقُرْآنِ، قِيلَ إِنَّ هَاتِهِ الْآيَةَ مِنْ جُمْلَةِ مَا نَزَلَ فِي أَبِي لُبَابَةَ.

وَجِيءَ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فِتْنَةً بِطَرِيقِ الْقَصْرِ قَصْرًا ادِّعَائِيًّا لِقَصْدِ الْمُبَالِغَةِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّهُمْ فِتْنَةٌ.

وَجَعَلَ نَفْسَ «الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ» فِتْنَةً لِكَثْرَةِ حُدُوثِ فِتْنَةِ الْمَرْءِ مِنْ جَرَّاءِ أَحْوَالِهِمَا، مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَمَا يَنْشَأُ عَنْهَا، فَكَأَنَّ وُجُودَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ نَفْسُ الْفِتْنَةِ.

وَعُطِفَ قَوْلُهُ: وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

عَلَى قَوْلِهِ: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْأَجْرِ عَلَى كَفِّ النَّفْسِ عَنِ الْمَنْهِيَّاتِ هُوَ خَيْرٌ مِنَ الْمَنَافِعِ الْحَاصِلَةِ عَنِ اقْتِحَامِ الْمَنَاهِي لِأَجْلِ الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد.

[٢٩]

[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٢٩]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)

استيناف ابْتِدَائِيٌّ مُتَّصِلٌ بِالْآيَاتِ السَّابِقَةِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ [الْأَنْفَال: ٢٠] الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْآيَاتِ إِلَى هُنَا.

وَافْتُتِحَ بِالنِّدَاءِ لِلِاهْتِمَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.

وَخُوطِبَ الْمُؤْمِنُونَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِعَهْدِ الْإِيمَانِ وَمَا يَقْتَضِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي نَظَائِرِهِ، وَعَقِبَ التَّحْذِيرِ مِنَ الْعِصْيَانِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى سُوءِ عَوَاقِبِهِ، بِالتَّرْغِيبِ فِي التَّقْوَى وَبَيَانِ حُسْنِ عَاقِبَتِهَا وَبِالْوَعْدِ بِدَوَامِ النَّصْرِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَحْوَالِ إِنْ هُمْ دَامُوا عَلَى التَّقْوَى.

فَفِعْلُ الشَّرْطِ مُرَادٌ بِهِ الدَّوَامُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُتَّقِينَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا حُذِّرُوا مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَالْخِيَانَةِ نَاسَبَ أَنْ تُفْرَضَ لَهُمُ الطَّاعَةُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ.

وَلَقَدْ بَدَا حُسْنُ الْمُنَاسَبَةِ إِذْ رُتِّبَتْ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ تَحْذِيرَاتٌ مِنْ شُرُورٍ وَأَضْرَارٍ