للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٦٨]

قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٨)

بَيَانٌ لِجُمْلَةِ أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [يُونُس: ٦٦] إِلَى آخِرِهَا، وَفِي هَذَا الْبَيَانِ إِدْمَاجٌ بِحِكَايَةِ فَنٍّ مِنْ فُنُونِ كُفْرِهِمْ مُغَايِرٌ لِادِّعَاءِ شُرَكَاءَ لِلَّهِ، لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ خَفِّيٌّ مِنْ دِينِهِمْ، وَلِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى إِبْطَالِهِ مُغَايِرٌ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِبْطَالِ الشُّرَكَاءِ.

فَضَمِيرُ قالُوا عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ [يُونُس: ٦٦] أَيْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الضَّمِيرِ غَيْرَهُمْ مِنَ النَّصَارَى لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَالْقُرْآنُ الْمَكِّيُّ لَمْ يَتَصَدَّ لِإِبْطَالِ زَيْغِ عَقَائِدِ أَهْلِ الْكِتَابِ، ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ لِلَّهِ بَنَاتٍ هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَهُمْ بَنَاتُهُ مِنْ سَرَوَاتِ نِسَاءِ الْجِنِّ، وَلِذَلِكَ عَبَدَتْ فِرَقٌ مِنَ الْعَرَبِ الْجِنَّ قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ: ٤٠، ٤١] .

وَالِاتِّخَاذُ: جَعْلُ شَيْءٍ لِفَائِدَةِ الْجَاعِلِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَخْذِ لِأَنَّ الْمُتَّخِذَ يَأْخُذُ الشَّيْءَ الَّذِي يَصْطَفِيهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧٤] ، وَقَوْلِهِ: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا فِي الْأَعْرَافِ [١٤٦] ، فَالِاتِّخَاذُ يَصْدُقُ عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ مَوْجُودٍ لِلِاسْتِئْثَارِ بِهِ، وَيَصْدُقُ عَلَى تَكْوِينِ شَيْءٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ. وَهُوَ هَنَا صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُ تَوَلُّدَ الْوَلَدِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَبَنَّى بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ.

وَالْوَلَدُ: اسْمٌ مَصُوغٌ عَلَى وَزْنِ فَعَلَ مِثْلَ عَمَدَ وَعَرَبَ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوِلَادَةِ، أَيِ النِّتَاجِ. يُقَالُ: وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ وَالنَّاقَةُ، وَلَعَلَّ أَصْلَ الْوَلَدِ مَصْدَرٌ