أَبْوَابُهَا فَوَجَدُوا الْأَبْوَابَ مَفْتُوحَةً عَلَى مَا هُوَ الشَّأْنُ فِي اقْتِبَالِ أَهْلِ الْكَرَامَةِ.
وَقَدْ وَهِمَ فِي هَذِهِ الْوَاوِ بَعْضُ النُّحَاةِ مِثْلُ ابْنِ خَالَوَيْهِ وَالْحَرِيرِيِّ وَتَبِعَهُمَا الثَّعْلَبِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» فَزَعَمُوا أَنَّهَا وَاوٌ تَدْخُلُ عَلَى مَا هُوَ ثَامِنٌ إِمَّا لِأَنَّ فِيهِ مَادَّةَ ثَمَانِيَةٍ كَقَوْلِهِ: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الْكَهْف: ٢٢] ، فَقَالُوا فِي وَفُتِحَتْ أَبْوابُها جِيءَ بِالْوَاوِ لِأَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ ثَامِنٌ فِي التَّعْدَادِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ إِلَى قَوْلِهِ: وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التَّوْبَة: ١١٢] فَإِنَّهُ الْوَصْفُ الثَّامِنُ فِي التَّعْدَادِ وَوُقُوعُ هَذِهِ الْوَاوَاتِ مُصَادَفَةٌ غَرِيبَةٌ، وَتَنَبُّهُ أُولَئِكَ إِلَى تِلْكَ الْمُصَادَفَةِ تَنَبُّهٌ لِطَيْفٌ وَلَكِنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فِي
مَعَانِي الْقُرْآنِ بَلْهَ بَلَاغَتِهِ، وَقَدْ زَيَّنَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي «مُغَنِي اللَّبِيبِ» ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ [١١٢] وَعِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [٢٢] .
وإِذا هُنَا لِمُجَرَّدِ الزَّمَانِ غَيْرُ مُضَمَّنَةٍ مَعْنَى الشَّرْطِ، فَالتَّقْدِيرُ: حَتَّى زَمَنِ مَجِيئِهِمْ إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، أَيْ خَلَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِإِحْفَافِهِمْ عِنْدَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، كَحَالَةِ مَنْ يَهْدِي الْعَرُوسَ إِلَى بَيْتِهَا فَإِذَا أَبْلَغَهَا بَابَهُ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَيْتِهَا، كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا مَنْزِلُكُمْ فَدُونَكُمُوهُ، فَتَلَقَّتْهُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ بِالسَّلَامِ.
وطِبْتُمْ دُعَاءٌ بِالطِّيبِ لَهُمْ، أَيِ التَّزْكِيَةِ وَطِيبِ الْحَالَةِ، وَالْجُمْلَةُ إِنْشَاءُ تَكْرِيمٍ وَدُعَاءٍ.
وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي فُتِحَتْ هُنَا كَالْخِلَافِ فِي نَظِيرِهِ الْمَذْكُور آنِفا.
[٧٤]
[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٧٤]
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤)
عَطْفُ هَذَا الْكَلَامِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ غَيْرُ جَوَابٍ لِقَوْلِ الْمَلَائِكَةِ بَلْ حَمِدُوا اللَّهَ عَلَى مَا مَنَحَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا وَعَدَهُمْ بِهِ بِعُنْوَانِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَمَّا كَانُوا أَصْحَابَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ جَعَلُوا وَعْدَ الْعَامِلِينَ لِلصَّالِحَاتِ وَعْدًا لَهُمْ لِتَحَقُّقِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الْوَعْدُ فِيهِمْ. وَمَعْنَى صَدَقَنا حَقَّقَ لَنَا وَعْدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute