فَأَنْتَجَ ذَلِكَ التَّسْجِيلُ اسْتِحْقَاقَهُمْ عَذَابَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: فَحَقَّ عِقابِ، أَيْ عِقَابِي، فَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ وَأُبْقِيَتِ الْكَسْرَةُ فِي حَالَةِ الْوَصْلِ.
وَحَقَّ: تَحَقَّقَ، أَيْ كَانَ حَقًّا، لِأَنَّهُ اقْتَضَاهُ عَظِيمُ جُرْمِهِمْ. وَالْعِقَابُ: هُوَ مَا حَلَّ بِكُلِّ أُمَّةٍ مِنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَهُوَ الْغَرَقُ وَالتَّمْزِيقُ بِالرِّيحِ، وَالْغَرَقُ أَيْضًا، وَالصَّيْحَةُ، وَالْخَسْفُ، وَعَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ.
وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِعَذَابٍ مِثْلِ عَذَابِ أُولَئِكَ لِاتِّحَادِهِمْ فِي مُوجبه.
[١٥]
[سُورَة ص (٣٨) : آيَة ١٥]
وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَا لَها مِنْ فَواقٍ (١٥)
لَمَّا أَشْعَرَ قَوْلُهُ: فَحَقَّ عِقابِ [ص: ١٤] بِتَهْدِيدِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِعَذَابٍ يَنْتَظِرُهُمْ جَرْيًا عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ فِي جَزَاءِ الْمُكَذِّبِينَ رُسُلَهُ، عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ الْإِخْبَارِ عَنْ حُلُولِ الْعَذَابِ بِالْأَحْزَابِ السَّابِقِينَ جُمْلَةُ تَوَعُّدٍ بِعَذَابِ الَّذِينَ مَاثَلُوهُمْ فِي التَّكْذِيبِ.
وهؤُلاءِ إِشَارَةٌ إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ لِأَنَّ تَجَدُّدَ دَعْوَتِهِمْ وَوَعِيدِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ يَوْمًا فَيَوْمًا جَعَلَهُمْ كَالْحَاضِرِينَ فَكَانَتِ الْإِشَارَةُ مَفْهُومًا مِنْهَا أَنَّهَا إِلَيْهِمْ، وَقَدْ تَتَبَّعْتُ اصْطِلَاحَ الْقُرْآنِ فَوَجَدْتُهُ إِذَا اسْتَعْمَلَ هؤُلاءِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُشَارٌ إِلَيْهِ مَذْكُورٌ: أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى غَيْرَ مَرَّةٍ.
ويَنْظُرُ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّظَرِ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ قَالَ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الْأَنْعَام: ١٥٨] ، أَيْ مَا يَنْتَظِرُ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ [يُونُس: ١٠٢] .
وَالْمُتَبَادَرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهَا تهديد لَهُم بِصَيْحَةٍ صَاعِقَةٍ وَنَحْوِهَا كَصَيْحَةِ ثَمُودَ أَوْ صَيْحَةِ النَّفْخِ فِي الصُّورِ الَّتِي يَقَعُ عِنْدَهَا الْبَعْثُ لِلْجَزَاءِ، وَلَكِنْ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ قَوْلَهَ تَعَالَى: جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ [ص: ١١] إِيمَاءٌ إِلَى بِشَارَةٍ لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مُعَانَدِيهِ سَيُهْزَمُونَ وَيَعْمَلُ فِيهِمُ السَّيْفُ يَوْمَ بَدْرٍ، يَقْتَضِي أَنَّ الصَّيْحَةَ