للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْآيَةَ، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لِظَاهِرِ الْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى [الْأَعْرَاف: ١٤٨] قُصِدَ بِهِ الِاحْتِرَاسُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ عَمِلَهُ قَوْمُ مُوسَى كُلُّهُمْ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى دَفْعِ هَذَا التَّوَهُّمِ، قُدِّمَ وَمِنْ قَوْمِ مُوسى عَلَى مُتَعَلِّقِهِ.

وَقَوْمُ مُوسَى هُمْ أَتْبَاعُ دِينِهِ مِنْ قَبْلِ بعثة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ بَقِيَ مُتَمَسِّكًا بَدِينِ مُوسَى، بَعْدَ بُلُوغِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ إِلَيْهِ، فَلَيْسَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى، وَلَكِنْ يُقَالُ هُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ مِنَ الْيَهُودِ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْمِ مُوسى تُؤْذِنُ بِأَنَّهُمْ مُتَّبِعُو دِينِهِ الَّذِي مِنْ جُمْلَةِ أُصُولِهِ تَرَقُّبُ مَجِيءِ الرَّسُول الْأُمِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وأُمَّةٌ: جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مُتَّفِقَةٌ فِي عَمَلٍ يَجْمَعُهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

أُمَّةً واحِدَةً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢١٣] ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مِنْهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.

ويَهْدُونَ بِالْحَقِّ أَيْ يَهْدُونَ النَّاسَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ بِبَثِّ فَضَائِلِ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ بِالْحَقِّ ويعدلون أَيْ يَحْكُمُونَ حُكْمًا لَا جَوْرَ فِيهِ.

وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: وَبِهِ يَعْدِلُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَلِرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ، إِذْ لَا مُقْتَضِي لِإِرَادَةِ الْقَصْرِ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: يَهْدُونَ بِالْحَقِّ حَيْثُ لَمْ يُقَدَّمِ الْمَجْرُورُ، وَالْمَعْنَى:

أَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِالْعَدْلِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ، وَلَيْسَ بِمُجَرَّدِ مُصَادَفَةِ الْحَقِّ عَنْ جَهْلٍ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ الْجَاهِلَ إِذَا قَضَى بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ أَحَدَ الْقَاضِيَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي النَّارِ، وَلَوْ صَادَفَ الْحَقَّ، لِأَنَّهُ بِجَهْلِهِ قَدِ اسْتَخَفَّ بِحُقُوقِ النَّاسِ وَلَا تَنْفَعُهُ مُصَادَفَةُ الْحَقِّ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُصَادَفَةَ لَا عَمَلَ لَهُ فِيهَا.

[١٦٠]

[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : آيَة ١٦٠]

وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠)

وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً.

عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ [الْأَعْرَاف: ١٥٩] إِلَخْ، فَإِنَّ ذَلِكَ التَّقْطِيعَ وَقَعَ فِي الْأُمَّةِ الَّذِينَ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ.

وَالتَّقْطِيعُ شِدَّةٌ فِي الْقَطْعِ وَهُوَ التَّفْرِيقُ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّقْسِيمُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْخَبَرِ الذَّمَّ، وَلَا بِالتَّقْطِيعِ الْعِقَابَ، لِأَنَّ ذَلِكَ التَّقْطِيعَ مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ سِيَاسَةِ الشَّرِيعَةِ الْمُوسَوِيَّةِ، وَمِنْ مُقَدِّمَاتِ نِظَامِ الْجَمَاعَةِ كَمَا فَصَّلَهُ السِّفْرُ الرَّابِعُ، وَهُوَ سِفْرُ عَدَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَقْسِيمِهِمْ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ تَدْوِينِ