للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة طه (٢٠) : آيَة ١١٥]

وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥)

لَمَّا كَانَتْ قِصَّةُ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَعَ فِرْعَوْنَ وَمَعَ قَوْمِهِ ذَاتَ عِبْرَةٍ لِلْمُكَذِّبِينَ وَالْمُعَانِدِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَانَدُوهُ، وَذَلِكَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَصَصِهَا كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً [طه: ٩٩، ١٠٠] فَكَأَنَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحَبَّ الزِّيَادَةَ مِنْ هَذِهِ الْقَصَصِ ذَاتِ الْعِبْرَةِ رَجَاءَ أَنَّ قَوْمَهُ يَفِيقُونَ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه: ١١٤] أُعْقِبَتْ تِلْكَ الْقِصَّةُ بِقِصَّةِ آدَمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَا عَرَّضَ لَهُ بِهِ الشَّيْطَانُ، تَحْقِيقًا لِفَائِدَةِ قَوْلِهِ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: ١١٤] . فَالْجُمْلَةُ عَطْفُ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ وَالْمُنَاسَبَةُ مَا سَمِعْتَ.

وَالْكَلَامُ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ. وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّحْقِيقِ وَلَامِ الْقَسَمِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالْقِصَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى قَصْدِ التَّنْظِيرِ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ فِي التَّفْرِيطِ فِي الْعَهْدِ، لِأَنَّ فِي الْقِصَّةِ الْأُولَى تَفْرِيطُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي عَهْدِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ فِيهَا أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ [طه: ٨٦] ، وَفِي قِصَّةِ آدَمَ تَفْرِيطًا فِي الْعَهْدِ أَيْضًا. وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ كَمَا قَالَ فِي الْقِصَّةِ الْأُولَى وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي [طه: ٩٦] وَقَالَ فِي هَذِهِ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ [طه: ١٢٠] .

وَفِي أَنَّ فِي الْقِصَّتَيْنِ نِسْيَانًا لِمَا يَجِبُ الْحِفَاظُ عَلَيْهِ وَتَذَكُّرُهُ فَقَالَ فِي الْقِصَّةِ الأولى فَنَسِيَ [طه: ١٦] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً.