الشَّخْصَ لَا يَتَعَلَّقُ غَرَضُهُ بِضُرِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُقَرَّعَ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ ضُرِّ نَفْسِهِ.
وَتَنْكِيرُ مَوْتاً- وحَياةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ، أَيْ مَوْتُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلَا حَيَاتُهُ.
وَالنُّشُورُ: الْإِحْيَاءُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَأَصْلُهُ نَشْرُ الشَّيْء المطوي.
[٤]
[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : آيَة ٤]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤)
انْتِقَالٌ مَنْ ذِكْرِ كُفْرِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ إِلَى ذِكْرِ كُفْرِهِمْ بِأَقْوَالِهِمُ الْبَاطِلَةِ.
وَالْإِظْهَارُ هُنَا لِإِفَادَةِ أَنَّ مَضْمُونَ الصِّلَةِ هُوَ عِلَّةُ قَوْلِهِمْ هَذَا، أَيْ مَا جَرَّأَهُمْ عَلَى هَذَا الْبُهْتَانِ إِلَّا إِشْرَاكُهُمْ وَتَصَلُّبُهُمْ فِيهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِشُبْهَةٍ تَبْعَثُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا حُكِيَ آنِفًا مِنْ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ فَإِنَّهُمْ تَلَقَّوْهُ مِنْ آبَائِهِمْ، فَالْوَصْفُ الَّذِي أُجْرِيَ عَلَيْهِمْ هُنَا مُنَاسِبٌ لِمَقَالَتِهِمْ لِأَنَّهَا أَصْلُ كُفْرِهِمْ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَابِلَةٌ جُمْلَةَ: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ [الْفرْقَان: ١] فَهِيَ الْمَقْصُودُ مِنِ افْتِتَاحِ الْكَلَامِ كَمَا آذَنَتْ بِذَلِكَ فَاتِحَةُ السُّورَةِ. وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي تُقَابِلُ الْجُمْلَةَ الْأُولَى مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْمُقَابَلَةِ أَنْ تُذْكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ قَبْلَ جُمْلَةِ:
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [الْفرْقَان: ٣] اهْتِمَامًا بِإِبْطَالِ الْكُفْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِصِفَاتِ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَالْقَصْرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ كَلَامُهُمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ (إِنِ) النَّافِيَةِ وَ (إِلَّا) قَصْرُ قَلْبٍ زَعَمُوا بِهِ رَدَّ دَعْوَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَمِمَّنْ قَالَ هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ.
فَإِسْنَادُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى جَمِيعِ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَكُلُّهُمْ يَتَنَاقَلُونَهُ. وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ مَأْلُوفَةٌ فِي نِسْبَةِ أَمْرٍ إِلَى الْقَبِيلَةِ كَمَا يُقَالُ: بَنُو أَسَدٍ قَتَلُوا حُجْرًا.