[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : الْآيَات ٥٢ إِلَى ٥٣]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣)
لَمَّا أَفْهَمَ قَوْلُهُ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الْقَصَص: ٥١] أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا وَلَمْ يَكُونُوا عِنْدَ رَجَاءِ الرَّاجِي عَقَّبَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْمُسْتَأْنَفَةِ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِسُؤَالِ مَنْ يَسْأَلُ هَلْ تَذَكَّرَ غَيْرُهُمْ بِالْقُرْآنِ أَوِ اسْتَوَى النَّاسُ فِي عَدَمِ التَّذَكُّرِ بِهِ. فَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْقُرْآنِ يُؤْمِنُونَ بِهِ إِيمَانًا ثَابِتًا.
وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ طَائِفَةٌ مَعْهُودَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ شَهِدَ اللَّهُ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ وَيَتَدَبَّرُونَهُ وَهُمْ بَعْضُ النَّصَارَى مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِثْلَ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَصُهَيْبٍ، وَبَعْضِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامً وَرِفَاعَةَ بْنِ رَفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ مِمَّنْ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيءُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا هَاجَرَ أَظْهَرُوا إِسْلَامَهُمْ.
وَقِيلَ: أُرِيدَ بِهِمْ وَفْدٌ مِنْ نَصَارَى الْحَبَشَةِ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا بَعْثَهُمُ النَّجَاشِيُّ لاستعلام أَمر النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فجلسوا إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنُوا بِهِ وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابُهُ قَرِيبًا مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُولُونَ فَلَمَّا قَامُوا من عِنْد النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَمَنْ مَعَهُ فَقَالَ لَهُمْ:
خَيَّبَكُمُ اللَّهُ مِنْ رَكْبٍ وَقَبَّحَكُمْ مِنْ وَفْدٍ لَمْ تَلْبَثُوا أَنْ صَدَّقْتُمُوهُ، فَقَالُوا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ نَأْلُ أَنْفُسَنَا رُشْدًا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُوا أَسْلَمَ النَّجَاشِيُّ وَقَدْ أَسْلَمَ بَعْضُ نَصَارَى الْحَبَشَةِ لَمَّا وَفَدَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَة وقرأوا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ وَأَفْهَمُوهُمُ الدِّينَ.
وَضَمِيرُ مِنْ قَبْلِهِ عَائِدٌ إِلَى الْقَوْلِ مِنْ وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ [الْقَصَص: ٥١] ، وَهُوَ الْقُرْآنُ. وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ لِتُقَوِّيَ الْخَبَرَ. وَضَمِيرُ الْفَصْلِ مُقَيِّدٌ لِلْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ، أَيْ هُمْ يُوقِنُونَ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute