مَشْهُورٌ مِنْ أَنَّ الْأَسِيرَ وَالْجَانِي قَدْ يَتَخَلَّصَانِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِفِدْيَةٍ تُبْذَلُ عَنْهُمَا.
فَعَطْفُ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا قُصِدَ مِنْهُ تَعْلِيلُ أَنْ لَا مَحِيصَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ الْكُفْرِ،
مِثْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَيِ الَّذِينَ أَعْلَنُوا الْكُفْرَ حَتَّى كَانَ حَالَةً يُعْرَفُونَ بِهَا. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا هُمْ وَالْكَافِرُونَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، فَفِيهِ احْتِرَاسٌ مِنْ أَنْ يَتَوَهَّمَ الْكَافِرُونَ الصُّرَحَاءُ مِنْ ضَمِيرِ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ خَاصٌّ بِالْمُنَافِقِينَ تَعَلُّقًا بِأَقَلِ طَمَعٍ، فَلَيْسَ ذِكْرُ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مُجَرَّدَ اسْتِطْرَادٍ.
وَالْمَأْوَى: الْمَكَانُ الَّذِي يُؤْوَى إِلَيْهِ، أَيْ يُصَارُ إِلَيْهِ وَيُرْجَعُ، وَكُنِّيَ بِهِ عَنِ الِاسْتِمْرَارِ وَالْخُلُودِ.
وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالصَّرِيحِ بِجُمْلَةِ مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ! أَيْ تَرْجِعُونَ إِلَيْهَا كَمَا يَرْجِعُ الْمُسْتَنْصِرُ إِلَى مَوْلَاهُ لِيَنْصُرَهُ أَوْ يُفَادِي عَنْهُ، فَاسْتُعِيرَ الْمَوْلَى لِلْمَقَرِّ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ.
وَيَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَوْلَى اسْمَ مَكَانِ الْوَلْيِ، وَهُوَ الْقُرْبُ وَالدُّنُوُّ، أَيْ مَقَرُّكُمْ، كَقَوْلِ لَبِيدٍ:
فَغَدَتْ كِلَا الْفَرْجَيْنِ تَحْسَبُ أَنَّهُ ... مَوْلَى الْمَخَافَةِ خَلْفُهَا وَأَمَامُهَا
أَيْ مَكَانُ الْمَخَافَةِ وَمَقَرُّهَا.
وبِئْسَ الْمَصِيرُ تَذْيِيلٌ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَجَابُوا بِهِ أَهْلَ النِّفَاقِ لِأَنَّهُمْ صَارُوا إِلَى دَار الْحَقَائِق.
[١٦]
[سُورَة الْحَدِيد (٥٧) : آيَة ١٦]
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦)
قَدْ عُلِمَ مِنْ صَدْرِ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ