وَالْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا الْكِنَايَةُ عَنِ الْبَوْنِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ.
وَتَعْيِينُ الْمُفَضَّلِ مِنَ الشَّيْئَيْنِ مَوْكُولٌ إِلَى فَهْمِ السَّامِعِ مِنْ قَرِينَةِ الْمَقَامِ كَمَا فِي قَوْلِ السَّمَوْأَلِ:
فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ وَقَوْلُ أَبِي حِزَامٍ غَالِبِ بْنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِي:
وَأَعْلَمُ أَنَّ تَسْلِيمًا وتركا ... لَا مُتَشَابِهَانِ وَلَا سَوَاءُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسُوا سَواءً بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ [آل عمرَان: ١١٠] الْآيَة. وَقبل قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ [آل عمرَان: ١١٣] . وَقَدْ يُرْدِفُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى جِهَةِ التَّفْضِيلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا [الْحَدِيد: ١٠] . وَقَوْلُهُ هُنَا
أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْآيَةُ [٩٥] فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ إِلَى تَعْمِيمِ نَحْوِ لَا يَسْتَوُونَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ [السَّجْدَة: ١٨] فَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي وِلَايَةَ النِّكَاحِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيَّةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَرْضِيٍّ، وَقَدْ أَبَاهُ الْحَنَفِيَّةُ وَوَافَقَهُمْ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيِّ فِي غَيْرِ «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» .
وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ضَمِيرِ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِأَنَّ فَوْزَهُمْ أَبَدِيٌّ فَاعْتَبَرَ فَوْزَ غَيْرِهِمْ بِبَعْضِ أُمُورِ الدُّنْيَا كَالْعدمِ.
[٢١]
[سُورَة الْحَشْر (٥٩) : آيَة ٢١]
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)
لَمَّا حَذَّرَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مَهْوَاةِ نِسْيَانِ اللَّهِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْفَاسِقُونَ، وتوعد الدَّين نَسُوا اللَّهَ بِالنَّارِ، وَبَيَّنَ حَالَهُمْ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ سَوَّلَ لَهُمُ الْكُفْرَ. وَكَانَ الْقُرْآنُ