الْمَقْصُودُ. وَذَلِكَ حِينَ يَكُونُ الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ هُوَ طَرَفُ الْإِثْبَاتِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ طَرَفُ النَّفْيِ هُوَ الْأَهَمُّ كَمَا هُنَا وَهُوَ إِبْطَالُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ أوّلا عدل على صِيغَةِ الْقَصْرِ إِلَى ذِكْرِ صِيغَتَيْ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ. فَهُوَ إطناب اقْتِضَاء الْمَقَامُ، كَقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْحَارِثِيِّ أَوِ السَّمَوْأَلِ:
تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
وأُمِرْتُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وأَنْ أَكُونَ مُتَعَلِّقٌ بِ أُمِرْتُ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ. وَهُوَ الْبَاءُ الَّتِي هِيَ لِتَعْدِيَةِ فعل (أمرت) ، و (أَن) مَصْدَرِيَّةٌ لِأَنَّ نَصْبَ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بَعْدَهَا يُعَيِّنُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَيَمْنَعُ احْتِمَالَ أَنَّهَا تَفْسِيرِيَّةٌ.
وَأُرِيدَ بِالْمُؤْمِنِينَ عَقَائِبُ هَذَا اللَّقَبِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ وَالْبَعْثِ فَإِذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْمُؤْمِنِينَ انْصَرَفَ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ اتَّصَفُوا بِالْإِسْلَامِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقَدَّرُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُتَعَلِّقٌ. وَفِي جَعْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ تَشْرِيفٌ لِهَذَا الْجَمْعِ وتنويه بِهِ.
[١٠٥]
[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ١٠٥]
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥)
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً مَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مُعْضِلٌ لِأَنَّ الْوَاو عاطفة على مَحَالَةَ، وَوَقَعَتْ بَعْدَهَا (أَنْ) .
فَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ (أَنْ) مَصْدَرِيَّةً، فَوُقُوعُ فِعْلِ الطَّلَبِ بَعْدَهَا غَيْرُ مَأْلُوفٍ لِأَنَّ حَقَّ صِلَةِ (أَنْ) أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً خَبَرِيَّةً. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : قَدْ سَوَّغَ سِيبَوَيْهٍ أَن تُوصَف (أَنْ) بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ وَصْلُ (أَنْ) بِمَا تَكُونُ مَعَهُ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَفِعْلَا الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ دَالَّانِ عَلَى الْمَصْدَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُهُمَا من الْأَفْعَال اه. يُشِيرُ إِلَى مَا فِي «كِتَابِ سِيبَوَيْهِ» «بَابٌ تَكُونُ (أَنْ) فِيهِ بِمَنْزِلَةِ (أَيْ) » . فَالْمَعْنَى: وَأُمِرْتُ بِإِقَامَةِ وَجْهِيَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، وَيَكُونُ الْعَطْفُ عَطْفَ مُفْرَدٍ عَلَى مُفْرَدٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute