وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِما تَعْمَلُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ عَلَى خِطَابِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأُمَّةِ لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَعْلَقُ بِالْأُمَّةِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحْدَهُ بِمَا يَعْمَلُونَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ عَلَى الْغَيْبَةِ عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ شَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لِيُفِيدَ مَعَ تَعْلِيلِ الْأَمْرِ بِالِاتِّبَاعِ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بِمُحَاسَبَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا يُبَيِّتُونَهُ مِنَ الْكَيْدِ، وَكِنَايَةً عَنْ إِطْلَاعِ اللَّهِ رَسُولَهُ عَلَى مَا يَعْلَمُ مِنْهُمْ فِي هَذَا الشَّأْنِ كَمَا سَيَجِيءُ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ [الْأَحْزَاب: ٦٠] ، أَيْ:
لَنُطْلِعَنَّكَ عَلَى مَا يَكِيدُونَ بِهِ وَنَأْذَنُكَ بِافْتِضَاحَ شَأْنِهِمْ. وَهَذَا الْمَعْنَى الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لَا يَفُوتُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِالْخِطَابِ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ يَأْخُذُ حَظه مِنْهُ.
[٣]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٣]
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٣)
زِيَادَةُ تَمْهِيدٍ وَتَوْطِئَةٍ لِتَلَقِّي تَكْلِيفٍ يَتَرَقَّبُ مِنْهُ أَذًى مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا نَهَى عَنْ تَزَوُّجِ نِسَاءِ الْأَبْنَاءِ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَهُوَ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الْأَحْزَاب: ٤٨] فَأَمَرَهُ بِتَقْوَى رَبِّهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَتْبَعَهُ بِالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ وَحْيِهِ، وَعَزَّزَهُ بِالْأَمْرِ بِمَا فِيهِ تَأْيِيدُهُ وَهُوَ أَنْ يُفَوِّضَ أُمُورَهُ إِلَى اللَّهِ.
وَالتَّوَكُّلُ: إِسْنَادُ الْمَرْءِ مَهَمَّهُ وَشَأْنَهُ إِلَى مَنْ يَتَوَلَّى عَمَلَهُ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٥٩] .
وَالْوَكِيلُ: الَّذِي يُسْنِدُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ أَمْرَهُ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٧٣] .
وَقَوْلُهُ وَكِيلًا تَمْيِيزُ نِسْبَةٍ، أَيْ: كَفَى اللَّهُ وَكَيْلًا، أَيْ وِكَالَتُهُ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ:
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٨١] .
[٤]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٤]
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤)
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ.
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ ابْتِدَاءَ الْمُقَدِّمَةِ لِلْغَرَضِ بَعْدَ التَّمْهِيدِ لَهُ بِمَا قلبه، وَالْمُقَدِّمَةُ أَخَصُّ