للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْقَصْرُ فِي قَوْلِهِ: وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِأَنَّ ظُهُورَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْنَيَيْنِ ظُهُورٌ لَا يُدَانِيهِ ظُهُورُ غَيْرِهِ، وَبُطُونَهُ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهُ بُطُونُ الْأَشْيَاءِ الْخَفِيَّةِ إِذْ لَا مَطْمَعَ لِأَحَدٍ فِي إِدْرَاكِ ذَاتِهِ وَلَا فِي مَعْرِفَةِ تَفَاصِيلِ تَصَرُّفَاتِهِ.

وَالْجَمْعُ بَيْنَ وَصْفِهِ بِ الظَّاهِرُ بِالْمَعْنَى الرَّاجِحِ والْباطِنُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ وَصَفِهِ بِ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا. وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مُحَسِّنُ الْمُطَابَقَةِ.

وَفَائِدَةُ إِجْرَاءِ الْوَصْفَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى لِيَتَدَبَّرَ الْعَالِمُونَ فِي مَوَاقِعِهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاوَاتِ الثَّلَاثَةَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعِ مُتَّحِدَةُ الْمَعْنَى تَقْتَضِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَطْفَ صِفَةٍ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «الْوَاوُ الْأُولَى مَعْنَاهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ الْجَامِعُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ. وَالثَّالِثَةُ عَلَى أَنَّهُ الْجَامِعُ بَيْنَ الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ، وَأَمَّا الْوُسْطَى فَعَلَى أَنَّهُ الْجَامِعُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَمَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ» اه. وَهُوَ تَشَبُّثٌ لَا دَاعِيَ إِلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَقَالَ: هُوَ الْأَوَّلُ الْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ الْبَاطِنُ، بِحَذْفِ وَاوَيْنِ. وَالْمَعْنَى الَّذِي حَاوَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَقْتَضِيهُ مَعَانِي هَاتِهِ الصِّفَاتِ بِدُونِ اخْتِلَافِ مَعَانِي الْوَاوَاتِ.

وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

عَطَفَ عَلَى جُمْلَةِ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ إِلَخْ عُطِفَتْ صِفَةُ عِلْمِهِ عَلَى صِفَةِ ذَاتِهِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

[٤]

[سُورَة الْحَدِيد (٥٧) : آيَة ٤]

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤)

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ.

مَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ اسْتِئْنَافٌ كَمَوْقِعِ جُمْلَةِ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ [الْحَدِيد: ٣] الْآيَةَ، فَهَذَا اسْتِئْنَافٌ ثَانٍ مُفِيدٌ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ لِيُقْلِعُوا عَنِ الْإِشْرَاكِ بِهِ.