للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ عَدَدَ أَهْلِ مَرْتَبَةِ السَّابِقِينَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ مُسَاوٍ لِعَدَدِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ: «فَنَسَخَتْ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ» يُرِيدُ نَسَخَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ. فَمُرَادُهُ أَنَّهَا أَبْطَلَتْ أَنْ يَكُونَ التَّفَوُّقُ مُطَّرِدًا فِي عَدَدِ الصَّالِحِينَ فَبَقِيَ التَّفَوُّقُ فِي الْعَدَدِ خَاصًّا بِالسَّابِقِينَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ الْيَمِينِ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ يُطْلِقُونَ النَّسْخَ عَلَى مَا يَشْمَل الْبَيَان فَإِنَّهُ مَوْرِدَ آيَةِ: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الْوَاقِعَة: ٣٩، ٤٠] فِي شَأْنِ صِنْفِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَمَوْرِدُ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا: وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ هُوَ صِنْفُ السَّابِقِينَ فَلَا يُتَصَوَّرُ مَعْنَى النَّسَخِ بِالْمَعْنَى الْاِصْطِلَاحِيِّ مَعَ تَغَايُرِ مَوْرِدِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَلَكِنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْبَيَانُ وَهُوَ بَيَانٌ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ.

[١٥- ٢٦]

[سُورَة الْوَاقِعَة (٥٦) : الْآيَات ١٥ إِلَى ٢٦]

عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩)

وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)

لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦)

الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ ثَالِثٌ عَنْ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الْوَاقِعَة: ١١] أَوْ حَالٌ ثَانِيَةٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَهَذَا تَبْشِيرٌ بِبَعْضِ مَا لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ مِمَّا تَشْتَاقُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِتَشْوِيقِهِمْ إِلَى هَذَا الْمَصِيرِ فَيَسْعَوْا لِنَوَالِهِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَلَيْسَ الْاِقْتِصَارُ عَلَى الْمَذْكُورِ هُنَا بِمُقْتَضٍ حَصْرَ النَّعِيمِ فِيمَا ذَكَرَ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [الزخرف: ٧١] .

وَالسُّرُرُ: جَمْعُ سَرِيرٍ، وَهُوَ كُرْسِيٌّ طَوِيلٌ مُتَّسِعٌ يَجْلِسُ عَلَيْهِ الْمُتَّكِئُ وَالْمُضْطَجِعُ، لَهُ سُوقٌ أَرْبَعٌ مُرْتَفِعٌ عَلَى الْأَرْضِ بِنَحْوِ ذِرَاعٍ يُتَّخَذُ مِنْ مُخْتَلِفِ الْأَعْوَادِ وَيَتَّخِذُهُ الْمُلُوكُ مِنْ ذهب وَمن فضَّة وَمِنْ عَاجٍ وَمِنْ نَفِيسِ الْعُودِ كَالْأَبَنُوسِ وَيَتَّخِذُهُ