يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ جَوَابِ الشَّرْطِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى فَاللَّهُ عَالِمٌ بِهِ، كِنَايَةٌ عَنْ تَوَعُّدِهِ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى مُسْتَأْنَفَةٌ لِإِنْكَارِ جَهْلِ الْمُكَذِّبِ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُعَاقِبُهُ، وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ سَادَّانِ مَسَدَّ الْمَفْعُولِ الثَّانِي.
وَكُنِّيَ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى عَنِ الْوَعِيدِ بِالْعِقَابِ.
وَضُمِّنَ فِعْلُ يَعْلَمْ مَعْنَى يُوقِنُ فَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِالْبَاءِ.
وَعُلِّقَ فِعْلُ أَرَأَيْتَ هُنَا عَنِ الْعَمَلِ لِوُجُودِ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ يَعْلَمْ وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ وَيَقِيَ نَفْسَهُ الْعِقَابَ.
وَفِي قَوْلِهِ: إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى إِيذَانٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ أَبَا جَهْلٍ سَيُكَذِّبُهُ حِينَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَسَيَتَوَلَّى، وَوَعْدٌ بِأَن الله ينتصف لَهُ مِنْهُ.
وَضَمِيرُ كَذَّبَ وَتَوَلَّى عَائِدٌ إِلَى الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى [العلق: ٩، ١٠] ، وَقَرِينَةُ الْمَقَامِ تُرْجِعُ الضَّمَائِرَ إِلَى مَرَاجِعِهَا الْمُخْتَلِفَةِ.
وَحُذِفَ مَفْعُولُ كَذَّبَ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ كَذَّبَهُ، أَيِ الْعَبْدُ الَّذِي صَلَّى، وَبِذَلِكَ انْتَظَمَتِ الْجُمَلُ الثَّلَاثُ فِي نِسْبَةِ مَعَانِيهَا إِلَى الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى وَإِلَى الْعَبْدِ الَّذِي صَلَّى، وَانْدَفَعَتْ عَنْكَ تَرَدُّدَاتٌ عَرَضَتْ فِي التَّفَاسِيرِ.
وَحُذِفَ مَفْعُولُ يَرى لِيَعُمَّ كُلَّ مَوْجُودٍ، وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْمُسْنَدَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَعَلُّقُ علمه بالمحسوسات.
[١٥، ١٦]
[سُورَة العلق (٩٦) : الْآيَات ١٥ إِلَى ١٦]
كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦)
كَلَّا أَكَّدَ الرَّدْعَ الْأَوَّلَ بِحَرْفِ الرَّدْعِ الثَّانِي فِي آخِرِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ الْمَوْقِعُ الْحَقِيقُ لِحَرْفِ الرَّدْعِ إِذْ كَانَ تَقْدِيمُ نَظِيرِهِ فِي أَوَّلِ الْجُمْلَةِ، لِمَا دَعَا إِلَيْهِ لِمَقَامٍ مِنَ التَّشْوِيقِ.