يَرْمُونَ بِالْخُطَبِ الطُّوَالِ وَتَارَةً ... وَحْيُ الْمَلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ
وَاعْلَمْ أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ السُّورَةِ جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى الصَّحِيحِ لَا يُنَاكِدُ مَا يُذْكَرُ لِبَعْضِ آيَاتِهَا مِنْ أَسْبَابِ نُزُولِهَا، لِأَنَّ أَسْبَابَ نُزُولِ تِلْكَ الْآيَاتِ إِنْ كَانَ لِحَوَادِثَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَقَدْ تَتَجَمَّعُ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَيَكُونُ نُزُولُ تِلْكَ الْآيَاتِ مُسَبَّبًا عَلَى تِلْكَ الْحَوَادِثِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ جَازَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْآيَاتُ مَدَنِيَّةً أُلْحِقَتْ بِسُورَةِ الْأَنْعَامِ لِمُنَاسَبَاتٍ. عَلَى أَنَّ أَسْبَابَ النُّزُولِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِنُزُولِ آيَاتِ أَحْكَامِهَا فَقَدْ يَقَعُ السَّبَبُ وَيَتَأَخَّرُ تَشْرِيعُ حُكْمِهِ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ فَقَدْ عُدَّتْ هَذِهِ السُّورَةُ الْخَامِسَةَ وَالْخَمْسِينَ فِي عَدِّ نُزُولِ السُّوَرِ. نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْحِجْرِ وَقَبْلَ سُورَةِ الصَّافَّاتِ.
وَعَدَدُ آيَاتِهَا مِائَةٌ وَسَبْعٌ وَسِتُّونَ فِي الْعَدَدِ الْمَدَنِيِّ وَالْمَكِّيِّ، وَمِائَةٌ وَخَمْسٌ وَسِتُّونَ فِي الْعَدَدِ الْكُوفِيِّ، وَمِائَةٌ وَأَرْبَعٌ وَسِتُّونَ فِي الشَّامِيِّ وَالْبَصْرِيِّ.
أَغْرَاَضُ هَذِهِ الْسُورَة
ابْتَدَأَتْ بِإِشْعَارِ النَّاسِ بِأَنَّ حَقَّ الْحَمْدِ لَيْسَ إِلَّا لِلَّهِ لِأَنَّهُ مُبْدِعُ الْعَوَالِمِ جَوَاهِرَ وَأَعْرَاضًا فَعُلِمَ أَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْإِلَهِيَّةِ. وَإِبْطَالِ تَأْثِيرِ الشُّرَكَاءِ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْجِنِّ بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ الْعَالَمِ جَوَاهِرِهِ وَأَعْرَاضِهِ، وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ وَنِظَامِ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ بِحِكْمَتِهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ، وَلَا تَمْلِكُ آلِهَتُهُمْ تَصَرُّفًا وَلَا عِلْمًا. وَتَنْزِيهِ اللَّهِ عَنِ الْوَلَدِ وَالصَّاحِبَةِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقِ الْإِسْفِرَائِينِيُّ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ كُلُّ قَوَاعِدِ التَّوْحِيدِ.
وَمَوْعِظَةِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَالْمُكَذِّبِينَ بِالدِّينِ الْحَقِّ، وَتَهْدِيدِهِمْ بِأَنْ يَحُلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْقُرُونِ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَالْكَافِرِينَ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُمْ مَا يَضُرُّونَ بِالْإِنْكَارِ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ. وَوَعِيدِهِمْ بِمَا سَيَلْقَوْنَ عِنْدَ نَزْعِ أَرْوَاحِهِمْ، ثُمَّ عِنْدَ الْبَعْثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute